الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ لَمْ يَكُن لِأَحَدٍ أَنْ يُقَيِّدَهُ إلَّا بِدَلَالَةِ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ.
فَمِن ذَلِكَ اسْمُ الْحَيْضِ، عَلَّقَ اللهُ بِهِ أَحْكَامًا مُتَعَدِّدَةً فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يُقَدَّرْ لَا أَقَلُّهُ وَلَا أَكْثَرُهُ وَلَا الطُّهْرُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ مَعَ عُمُومِ بَلْوَى الْأُمَّةِ بِذَلِكَ، وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ، وَاللُّغَةُ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ قَدْرٍ وَقَدْرٍ، فَمَن قَدَّرَ فِي ذَلِكَ حَدًّا فَقَد خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ.
وَأَمَّا إذَا اسْتَمَرَّ الدَّمُ بِهَا دَائِمًا فَهَذَا قَد عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ قَد عُلِمَ مِنَ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَارَةً تَكُونُ طَاهِرًا وَتَارَةً تَكُونُ حَائِضًا، وَلطُهْرِهَا أَحْكَامٌ وَلحَيْضِهَا أَحْكَامٌ.
وَالْعَادَةُ الْغَالِبَةُ أَنَّهَا تَحِيضُ رُبُعَ الزَّمَانِ: سِتَّةً أَو سَبْعَةً، وَإِلَى ذَلِكَ رَدَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمُسْتَحَاضَةَ الَّتِي لَيْسَ لَهَا عَادَةٌ وَلَا تَمْيِيزٌ، وَالطُّهْرُ بَيْنَ الحَيْضَتَيْنِ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ بِاتِّفَاقِهِمْ.
وَكَذَلِكَ أَقَلُّهُ عَلَى الصَّحِيحِ لَا حَدَّ لَهُ؛ بَل قَد تَحِيضُ الْمَرْأَةُ فِي الشَّهْرِ ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَإِن قُدِّرَ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي أَقَلَّ مِن ذَلِكَ أَمْكَنَ، لَكِنْ إذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا فِيمَا يُخَالِفُ الْعَادَةَ الْمَعْرُوفَةَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ لَهَا بِطَانَةٌ مِن أَهْلِهَا كَمَا رُوِيَ عَن عَلِيٍّ -رضي الله عنه- فِيمَنِ ادَّعَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ.
وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنَ الرَّحِمِ أَنَّهُ حَيْضٌ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الدَّمُ الْأَصْلِيُّ الْجَبَلِيُّ، وَهُوَ دَمٌ تُرْخِيه الرَّحِمُ، وَدَمُ الْفَسَادِ دَمُ عِرْقٍ يَنْفَجِرُ؛ وَذَلِكَ كَالْمَرَضِ؛ وَالْأصْلُ الصِّحَّةُ لَا الْمَرَضُ.
فَمَتَى رَأَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ جَارٍ مِن رَحِمِهَا فَهُوَ حَيْضٌ تُتْرَكُ لِأَجْلِهِ الصَّلَاةُ.
وَمَن قَالَ: إنَّهَا تَغْتَسِلُ عَقِيبَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْمَعْلُومِ مِنَ السُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ.