وَقَد ظَنَّ طَائِفَةٌ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ (١) فِي "مُسْلِمٍ" وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَسَبَبُ هَذِهِ الشَّكْوَى: أَنَّهُم كَانُوا يَسْجُدُونَ عَلَى الْأَرْضِ فَتَسْخَنُ جِبَاهُهُم وَأَكُفُّهُمْ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ زِيادَةً عَلَى مَا كَانَ يُؤَخِّرُهَا وَيُبْرِدُ بِهَا فَلَمْ يَفْعَلْ.
وَقَد ظَنَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُم طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَسْجُدُوا عَلَى مَا يَقِيهِمْ مِن الْحَرِّ مِن عِمَامَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَمْ يَفْعَلْ، وَجعَلُوا ذَلِكَ حُجَّةً فِي وُجُوبِ مُبَاشَرَةِ الْمُصَلِّي بِالْجَبْهَةِ، وَهَذِهِ حُجَّةٌ ضَعِيفَة لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ: "وَأَنَّهُم كَانُوا إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُهُم أَنْ يُمَكنَ جَبْهَتَهُ مِن الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ".
وَالسُّجُودُ عَلَى مَا يَتَّصِلُ بِالْإِنْسَانِ مِن كُمِّهِ وَذَيْلِهِ وَطَرَفِ إزَارِهِ وَرِدَائِهِ فِيهِ النِّزَاعُ الْمَشْهُورُ.
وَقَالَ هِشَامٌ عَن الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُونَ وَأَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ، وَيَسْجُدُ الرَّجُلُ عَلَى عِمَامَتِهِ. رَوَاهُ البيهقي.
وَقَد اسْتَشْهَدَ بِذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ السُّجودِ عَلَى الثَّوْبِ مِن شِدَّةِ الْحَرِّ فَقَالَ: "وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ ويدَاهُ فِي كُمِّهِ".
وَرَوَى حَدِيثَ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمَ قَالَ: "كُنَّا نُصَلّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَضَعُ أَحَدُنَا الثَّوْبَ مِن شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ".
فَالْأحَادِيثُ وَالْاَثَارُ تَدُل عَلَى أَنَّهُم فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ كَانُوا يُبَاشِرُونَ الْأَرْضَ بِالْجِبَاهِ، وَعِنْدَ الْحَاجَةِ كَالْحَرِّ وَنَحْوِهِ يَتَّقُونَ بِمَا يَتَّصِلُ بهِم مِن طَرَفِ ثَوْبٍ وَعِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ؛ وَلهَذَا كَانَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْألةِ أَنَّهُ يُرَخَّصُ
(١) أي: قوله: فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفنَا. وهي عند البيهقي.