قِيلَ: الْجَوَابُ عَن ذَلِكَ مِن وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُن يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ دَائِمَا؛ بَل أَحْيَانًا، كَأَنَّهُ كَانَ إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ يَتَّقِي بِهَا الْحَرَّ وَنَحْو ذَلِكَ .. فَلَمْ يَكُن فِي هَذَا حُجَّة لِمَن يَتَّخِذ السَّجَّادَةَ يُصَلِّي عَلَيْهَا دَائِمًا.
وَالثَّانِي: قَد ذَكَرُوا أَنَّهَا كَانَت لِمَوْضِعِ سُجُودِهِ لَمْ تَكُنْ بِمَنْزِلَةِ السَّجَّادَةِ الَّتِي تَسَعُ جَمِيعَ بَدَنِهِ، كَأَنَّهُ كَانَ يَتَّقِي بِهَا الْحَرَّ، هَكَذَا قَالَ أَهْلُ الْغَرِيبِ.
قَالُوا: "الْخُمْرَةُ" كَالْحَصِيرِ الصَّغِيرِ تُعْمَلُ مِن سَعَفِ النَّخْلِ، وَتُنْسَجُ بِالسُّيُورِ وَالْخُيُوطِ، وَهِيَ قَدْرُ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْوَجْهِ وَالْأَنْفِ، فَإذَا كَبِرَتْ عَن ذَلِكَ فَهِيَ حَصِيرٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَتْرِهَا الْوَجْهَ وَالْكَعْبَيْنِ مِن حَرِّ الْأَرْضِ وَبَرْدِهَا.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْخُمْرَةَ لَمْ تَكُنْ لِأَجْلِ اتِّقَاءِ النَّجَاسَةِ أَو الِاحْتِرَازِ مِنْهَا كَمَا يُعَلِّلُ بِذَلِكَ مَن يُصَلِّي عَلَى السَّجَّادَةِ (١).
أَمَّا الْغُلَاةُ مِن الْمُوَسْوِسِينَ: فَإِنَّهُم لَا يُصَلُّونَ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَا عَلَى مَا يُفْرَشُ لِلْعَامَّةِ عَلَى الْأَرْضِ، لَكِنْ عَلَى سَجَّادَةِ وَنَحْوِهَا.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ: فَإذَا لَمْ يَكُن عَالِمًا بالنَّجَاسَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بَاطِنًا (٢) وَظَاهِرًا، فَلَا حَاجَةَ بِهِ حِينَئِذٍ عَن السُّؤَالِ عَن أَشْيَاءَ إنْ أبْدِيَتْ سَاءَتْهُ قَد عَفَا اللهُ عَنْهَا. ٢٢/ ١٦٣ - ١٨٦
(١) وقد ذكر الشيخ أنّه لَا يُسْتَحَبُّ الْبَحْثُ عَمَّا لَمْ يَظْهَرْ مِن النَّجَاسَةَ، وَلَا الِاحْتِرَازُ عَمَّا لَيْسَ عَلَيهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِاحْتِمَالِ وَجُودِهِ. (٢٢/ ١٨٤)
ومرّ مثل هذا في باب إزالة النجاسة.
(٢) أي: بينه وبين الله، فعبادته صحيحةٌ ولو كانت عليه نجاسة لم يعلم بها، وعلى هذا: فالذي يشك في خروج قطرات من بوله لا ينبغي أن يلتفت إلى ذلك، فما دام أنه لم يتأكد تأكدًّا تامًّا بأنها خرجت فلا حرج عليه ولو خرجت في الواقع، ووضوؤه وعبادته لم تبطل عند الله تعالى. فلا حجة في ذلك للموسوسين.