وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَيْرِ حَدِيث: "سَيَكُونُ أمُرَاءُ يُؤَخّرُونَ الصَّلَاةَ عَن وَقْتِهَا، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا ثُمَّ اجْعَلُوا صَلَاَتَكُمْ مَعَهُم نَافِلَةً"، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُورُ تَأخِيرُ الْأُولَى إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ؛ فَإِنَّ الْأُمَرَاءَ لَمْ يَكُونُوا يُؤَخّرُونَ صَلَاةَ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ، وَلَا صَلَاةَ اللَّيْلِ إلَى النَّهَارِ، وَلَكِنَّ غَايَتَهُم أَنْ يُؤَخرُوا الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، أَو الْعَصْرَ إلَى الِاصْفِرَارِ، أَو يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ.
وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَلَو أَخَّرُوهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ لَمْ يَكُن ذَلِكَ مَكْرُوهًا.
وَتَأخِيرُهَا إلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُن يَفْعَلُهُ أَحَدٌ وَلَا هُوَ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْأُمَرَاءُ.
وَأَمَّا الثَّلَاث: فَقَد ثَبَتَ عَنْهُ فِي "الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ" مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاء، يَجْمَعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ فِي وَقْتِ الْأُولَى، أَو إذَا كَانَ سَائِرًا فِي وَقْتِهَا.
وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِن فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْحِجَاز.
وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِيمَا إذَا كَانَ نَازِلًا فِي وَقْتِ الصَّلَاتَيْنِ كِلَاهُمَا، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَن أَحْمَد:
إحْدَاهُمَا: لَا يَجْمَعُ؛ لِعَدَمِ السُّنَّةِ وَالْحَاجَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
الثَّانِيَةُ: يَجْمَعُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِحَدِيثِ رُوِيَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَثَبَتَ عَنْهُ أَيْضًا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَبِالِاتِّفَاقِ أَنَّهُ جَمَعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِعَرَفَةَ بَيْنَ صَلَاتَي الْعَشِيِّ وبمزدلفة بَيْنَ صَلَاتَيْ الْعِشَاءَيْنِ.
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا: الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاء.