الرِّجَالِ، وَكَانَ ذَلِكَ لَمَّا تَزَوَّجَ زينَبَ بِنْتَ جَحْشٍ فَأرْخَى السِّتْرَ ومَنَع أنسًا أنْ ينظر (١).
والْجِلْبَابُ هُوَ الْملَاءَةُ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ الرِّدَاءَ، وَتُسَمّيهِ الْعَامَّةُ الْإِزَارَ، وَهُوَ الْإِزَارُ الْكَبِيرُ الَّذِي يُغَطِّي رَأسَهَا وَسَائِرَ بَدَنِهَا.
وَقَد حَكَى أَبُو عَبِيدٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّهَا تُدْنِيهِ مِن فَوْقِ رَأسِهَا فَلَا تُظْهِرُ إلَّا عَيْنَهَا، وَمِن جِنْسِهِ النِّقَابُ، فَكنَّ النِّسَاءُ يَنْتَقِبْنَ.
فَإذَا كُنَّ مَأمُورَاتٍ بِالْجِلْبَابِ لِئَلَّا يُعْرَفْنَ وَهُوَ سَتْرُ الْوَجْهِ أَو سَتْرُ الْوَجْهِ بِالنِّقَابِ: كَانَ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ مِنَ الزِّينَةِ الَّتِي أُمِرَتْ أَلَّا تُظْهِرَهَا لِلْأَجَانِبِ، فَمَا بَقِيَ يَحِلُّ لِلْأَجَانِبِ النَّظَرُ إلَّا إلَى الثّيَابِ الظَّاهِرَةِ.
فَابْنُ مَسْعُودٍ ذَكَرَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ذَكَرَ أَوَّلَ الْأَمْرَيْنِ.
وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: {أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} النور: ٣١ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُبْدِيَ الزِّينَةَ الْبَاطِنَةَ لِمَمْلُوكِهَا، وَفِيهِ قَوْلَانِ: قِيلَ: الْمُرَادُ الْإِمَاءُ وَالْإِمَاءُ الْكِتَابِيَّاتُ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَجَّحَهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: هُوَ الْمَمْلُوكُ الرَّجُلُ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأخْرَى عَن أَحْمَد.
(١) ليست هذه آية الحجاب، بل هي قوله تعالى: قَوْلِهِ: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} الأحزاب: ٥٣.
ويدل على ذلك ما رواه البخاري (٤٧٩١)، ومسلم (١٤٢٨)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زينَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، دَعَا القَوْمَ فَطَعِمُوا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، وَإِذَا هُوَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأ لِلْقِيَامِ، فَلَمْ يَقُومُوا فَلَمَّا رَأى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ، وَقَعَدَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَدْخُلَ فَإِذَا القَوْمُ جُلُوسٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا، فَانْطَلَقْتُ فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا، فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ فَذَهَبْتُ أدْخُلُ، فَأَلْقَى الحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَأنْزَلَ اللهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الأحزاب: ٥٣ الآيَةَ".
وفي رواية: أَرْخَى السِّتْرَ بَيْني وَبَيْنَهُ، وَأنْزِلَتْ آيَةُ الحِجَابِ.
تنبيه: في الأصل: (وَمَنَعَ النسَاءَ أَنْ يَنْظُرْنَ)، والتصويب من كتاب: حجاب المرأة ولباسها في الصلاة لشيخ الإسلام ابن تيمية، الذي حققه العلامة محمد ناصر الدين الألباني (٤).