وَسَبَبُ ذَلِكَ: أنَّهُم أَدْخَلُوا فِي دِينِهِمْ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَشَرَعُوا مِن الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ، فَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْبِدْعَةِ الَّتِي شَرَعُوهَا؛ لِأنَّهَا لَا ضَابِطَ لَهَا، كَمَا يَخْتَلِفُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أنْ يَعْلَمُوا طُلُوعَ الْهِلَالِ بِالْحِسَابِ، أَو طُلُوعَ الْفَجْرِ بِالْحِسَابِ، وَهُوَ أمْرٌ لَا يَقومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ حِسَابِيٌّ مُطَّرِدٌ؛ بَل ذَلِكَ مُتَنَاقِضٌ مُخْتَلِفٌ، فَهَؤُلَاءِ أَعْرَضوا عَن الدِّينِ الْوَاسِعِ، وَالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَدَخَلُوا فِي أَنْوَاعٍ مِن الْجَهْلِ وَالْبِدَعِ، مَعَ دَعْوَاهُم الْعِلْمَ وَالْحِذْقَ، كَذَلِكَ يَفْعَلُ اللهُ بِمَن خَرَجَ عَن الْمَشْرُوعِ إلَى الْبِدع وَتَنَطَّعَ فِي الدِّينِ.
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ فِي الْجُمْلَةِ؛ فَالْمَأمُورُ بِهِ الِاسْتِقْبَالُ لِلْقِبْلَةِ، وَتَوْلِيَةُ الْوَجْهِ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَيُنْظَرُ: هَل الِاسْتِقْبَالُ وَتَوْلِيَةُ الْوَجْهِ مِن شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ وَسَط وَجْهِهِ مُسْتَقْبِلًا لَهَا -كَوَسَطِ الْأَنْفِ وَمَا يُحَاذِيهِ مِن الْجَبْهَةِ وَالذَّقَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أو يَكُونَ الشَّخْصُ مُستَقْبِلًا لِمَا يَسْتَقْبِلُهُ إذَا وَجَّهَ إلَيْهِ وَجْهَهُ وَإِن لَمْ يُحَاذِهِ بِوَسَطِ وَجْهِهِ؟
فَهَذَا أَصْلُ الْمَسْألَةِ (١).
وَالِاسْمُ إنْ كَانَ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ رُجِعَ إلَيْهِ، وَإِلَّا رُجِعَ إلَى حَدِّهِ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ، وَالِاسْتِقْبَالُ هُنَا دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَاللُّغَةُ وَالْعُرْفُ. ٢٢/ ٢٠٦ - ٢١٦
٢٥٥١ - تصح صلاة الفرض على الراحلة خشية الانقطاع عن الرفقة، أو حصول ضرر بالمشي، أو تبرُّزٌ للخَفَرة. المستدرك ٣/ ٧٦
٢٥٥٢ - ذكر طائفة من الأصحاب أنَّ الواجب في استقبال القبلة هواؤها دون بنيانها؛ بدليل المصلي على جبل أبي قبيس وغيره من الجبال العالية بمكة، فإنه إنما يستقبل الهواء لا البنيان، وبدليل ما لو انتقضت الكعبة والعياذ باللّه، فإنه يكفيه استقبال العرصة (٢)، قال أبو العباس: الواجب استقبال
(١) الثاني هو الذي انتصر له الشيخ.
(٢) العرصة: كلُّ بقعةٍ بين الدُّور واسعة ليس فيها بناء، والجمع العراص والعرصات.