وَالْجُمْهُورُ لَا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَسْكُتَ الْإِمَامُ لِيَقْرَأ الْمَأْمُومُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ عِنْدَهُم إذَا جَهَرَ الْإِمَامُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا مُسْتَحَبَّةٍ؛ بَل هِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَهَل تُبْطِل الصَّلَاةَ إذَا قَرَأَ مَعَ الْإِمَامِ؟
فِيهِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد.
فَهُوَ إذَا كَانَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فَاسْتِمَاعُهُ أَفْضَلُ مِن قِرَاءَتِهِ.
وَلهَذَا لَمْ يَسْتَحِبَّ أَحْمَد وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ قِرَاءَتَهُ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ، إلَّا أَنْ يَسْكُتَ سُكُوتا بَلِيغًا يَتَّسِعُ لِلِاسْتِفْتَاحِ وَالْقِرَاءَةِ.
وَأَمَّا إنْ ضَاقَ عَنْهُمَا فَقَوْلُهُ وَقَوْلُ أَكْثَرِ أصْحَابِهِ إنَّ الِاسْتِفْتَاحَ أَوْلَى مِنَ الْقِرَاءَةِ (١).
بَل هوَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَأْمُرُ بِالِاسْتِفْتَاحِ مَعَ جَهْرِ الْإِمَامِ.
فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مِمَن يَسْكتُ عَقِيبَ الْفَاتِحَةِ سُكوتًا يَتَّسِعُ لِلْقِرَاءَةِ فَالْقِرَاءَةُ فِيهِ أَفْضَلُ مِن عَدَمِ الْقِرَاءَةِ.
لَكِنْ هَل يُقَالُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ بِالْفَاتِحَةِ أَفْضَلُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا، أَو بِغَيْرِهَا مِن الْقُرْآنِ لِكَوْنِهِ قَد اسْتَمَعَهَا (٢)؟ هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ.
وَمُقْتَضَى نصُوصِ أَحْمَد وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ: أنَّ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهَا أَفْضَلُ؛ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ انْ يَقْرَأَ بِهَا مَعَ اسْتِمَاعِهِ قِرَاءَتَهَا.
بَل يَفْعَلُ فِي سُكُوتِهِ مَا يُشْرَعُ مِنَ الِاسْتِفْتَاحِ وَالِاسْتِعَاذَةِ.
وَلَو لَمْ يَسْكُتِ الْإِمَامُ سُكُوتًا يَتسِعُ لِذَلِكَ، أَو لَمْ يُدْرِكْ سُكُوتَهُ: فَهَل يَسْتَفْتِحُ ويسْتَعِيذُ مَعَ جَهْرِ الْإِمَامِ؟ فِيهِ ثَلَاث رِوَايَاتٍ:
إحْدَاهَا: يَسْتَفْتِحُ وَيَسْتَعِيذ مَعَ جَهْرِ الْإِمَامِ وإن لَمْ يَقْرَأ.
(١) ولو كانت سورة الفاتحة.
(٢) أي: استمع قراءة الإمام للفاتحة، والاستماع يقوم مقام القراءة.