وَذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ سَمَّاهَا "تَسْبِيحًا" فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ التَّسْبِيحِ فِيهَا، وَقَد بَيَّنَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ.
وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" (١) عَن عَائِشَةَ أَنَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ".
وَفِي "السُّنَنِ" أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوت وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ" (٢). فَهَذِهِ كُلُّهَا تَسْبِيحَاتٌ.
وَالْمَنْقُولُ عَن مَالِكٍ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ كَرَاهَةُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى "سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَالْعَظِيمِ" فَلَهُ وَجْهٌ، وَإِن كَانَ كَرَاهَةُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى جِنْسِ التَّسْبِيحِ فَلَا وَجْهَ لَهُ، وَأَظُنُّهُ الْأَوَّلَ. وَكَذَلِكَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ كَرَاهَةُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى "سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ"؛ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهَا فَرْضٌ؛ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَالِكًا أَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ فَرضًا وَاجِبًا، وَهَذَا قَوِيّ ظَاهِرٌ، بِخِلَافِ جِنْسِ التَّسْبِيحِ فَإنَّ أَدِلَّةَ وُجُوبِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَة جِدًّا.
وَقَد عُلِمَ أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُدَاوِمُ عَلَى التَّسْبِيحِ بِأَلْفَاظٍ مُتَنَوِّعَةٍ.
وَقَوْلُهُ: "اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ وَهي سُجُودِكُمْ" (٣) يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا مَحَلٌّ لِامْتِثَالِ هَذَا الْأَمْرِ، لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُقَالُ إلَّا هِيَ، مَعَ مَا قَد ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ غَيْرَهَا.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ صِيغَتَي تَسْبِيحٍ بَعِيدٍ (٤)، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ
(١) (٤٨٧).
(٢) صحَّحه الألباني في صحيح النسائي (١٠٤٨).
(٣) يعني: حديث عَن عُقْبَةَ بْنِ عَامِر قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)} الواقعة: ٧٤، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ"، فَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)} الأعلى: ١ قَالَ: "اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ". رواه أبو داود (٨٦٩)، وابن ماجه (٨٨٧)، والإمام أحمد (١٧٤١٤)، وغيرهم، وقد ضعَّفه العلَّامة الألبانيُّ. في ضعيف أبي داود (١٥٢)، والإرواء: (٢/ ٤١).
(٤) يعني: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يجمع بين قوله: سبحان ربي الأعلى في السجود أو سبحان =