وَإِذَا كَانَ اللهُ -عز وجل- قَد سَمَّى الصَّلَاةَ تَسْبِيحًا (١)، فَقَد دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ التَّسْبِيحِ، كَمَا أَنَهُ لَمَّا سَمَّاهَا قِيَامًا فِي قَوْله تَعَالَى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢)} المزمل: ٢ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْقِيَامِ، وَكَذَلِكَ لَمَّا سَمَّاهَا قُرآنًا فِي قَوْله تَعَالَى: {قُرْآنَ الْفَجْرِ} الإسراء: ٧٨ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْقُرْاَنِ فِيهَا، وَلَمَّا سَمَّاهَا رُكُوعًا وَسُجُودًا فِي مَوَاضِعَ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِيهَا. ٢٢/ ٥٥٠ - ٥٥١
* * *
(الحكمة من قول: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى في السجود؟)
٢٦١٦ - فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ: أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى بِاللَّيْلِ طَلَاةً قَرَأَ فِيهَا بِالْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ وَآلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ نَحْو قِرَاءَتِهِ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: "سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ"، وَفِي سُجُودِهِ: "سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى".
وَذَلِكَ أَنَّ السُّجُودَ غَايَةُ الْخُضوع وَالذُّلِّ مِن الْعَبْدِ، وَغَايَةُ تَسْفِيلِهِ وَتَوَاضُعِهِ بِأَشْوَفِ شَيءٍ فِيهِ للهِ -وَهُوَ وَجْهُهُ-، بَأَنْ يَضَعَهُ عَلَى التُّرَابِ، فَنَالسَبَ فِي غَايَةِ سُفُولِهِ أَنْ يَصِفَ رَبَّهُ بِأَنَّهُ الْأَعْلَى.
وَالْأَعْلَى أَبْلَغُ مِن الْعَلِيِّ؛ فَإنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ مِن نَفْسِهِ شَيْءٌ، هُوَ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ عَدَمٌ مَحْضٌ، وَلَيْسَ لَهُ مِن الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ نَصِيبٌ.
وَكَذَلِكَ فِي الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ: لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَمَّ مَن يُرِيدُ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ؛ كَفِرْعَوْنَ وَإِبْلِيسَ.
وَأَمَّا الْمُؤمِنُ فَيَحْصُلُ لَهُ الْعُلُوُّ بِالْإِيمَانِ، لَا بِإِرَادَتِهِ لَهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩)} آل عمران: ١٣٩.
فَلَمَّا كَانَ السُّجُودُ غَايَةَ سُفُولِ الْعَبْدِ وَخُضُوعِهِ: سَبَّحَ اسْمَ رَبِّهِ الْأَعْلَى، فَهُوَ سُبْحَانَة الْأَعْلَى، وَالْعَبْدُ الْأسْفَلُ، كَمَا أَنَّهُ الرَّبُّ، وَالْعَبْدُ الْعَبْدُ، وَهُوَ
(١) كقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} ق: ٣٩.