فِي الصَّلَاةِ؛ بَل يَكونُ بِمَنْزِلَةِ الْخَوَاطِرِ: فَهَذَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، لَكِنْ مَن سَلِمَتْ صَلَاتُهُ مِنْهُ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَن لَمْ تَسْلَمْ مِنْهُ صَلَاتُهُ.
الْأَوَّلُ: شِبْهُ حَالِ الْمُقَرَّبِينَ.
وَالثَّانِي: شِبْهُ حَالِ الْمُقْتَصِدِينَ.
وَأمَّا الثَّانِي: فَهُوَ مَا مَنَعَ الْفَهْمَ وَشُهُودَ الْقَلْبِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الرَّجُلُ غَافِلًا: فَهَذَا لَا ريبَ أَنَّهُ يَمْنَعُ الثَّوَابَ.
وَلَكِنْ هَل يُبْطِلُ الصَّلَاةَ ويُوجِبُ الْإِعَادَةَ؟ فِيهِ تَفْصِيلٌ:
أ- فَإِنَّهُ إنْ كَانَت الْغَفْلَةُ فِي الصَّلَاةِ أَقَلَّ مِن الْحُضُورِ وَالْغَالِبُ الْحُضُورُ: لَمْ تَجِب الْإِعَادَةُ، وَإِن كَانَ الثَّوَابُ نَاقِصًا، فَإنَّ النُصُوصَ قَد تَوَاتَرَتْ بِأَنَّ السَّهْوَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَإِنَّمَا يُجْبَرُ بَعْضُهُ بِسَجْدَتَي السَّهْوِ.
ب- وَأمَّا إنْ غَلَبْت الْغَفْلَةُ عَلَى الْحُضُورِ: فَفِيهِ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْبَاطِنِ وَإِن صَحَّتْ فِي الظَّاهِرِ.
وَالثَّانِي: تَبْرأُ الذِّمَّةُ فَلا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِن كَانَ لَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا وَلَا ثَوَابَ، بِمَنْزِلَةِ صَوْمِ الَّذِي لَمْ يَدَع قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ مِن صِيَامِهِ إلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ.
وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَن الْإمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِن الْأئِمَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَن أبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قَالَ: "إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّأْذِينُ أقبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أقبَلَ حَتى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اُذْكرْ كذَا، اُذْكرْ كَذَا، مَا لَمْ يَكُن يَذْكُرُ، حَتى يَظَلَّ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ" (١).
(١) البخاري (٦٠٨)، ومسلم (٣٨٩).