نَهْيٍ؛ بَل قَد قِيلَ فِي مَذْهَبِهِ: أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ وَقْتُ نَهْيٍ فِي غَيْرِهَا.
فَعُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَمَا أَنَّ الْإِبْرَادَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي غَيْرِهَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ فِيهَا؛ بَل يُنْهَى عَنْهُ، وَهُوَ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَكَذَلِكَ قَد عَلَّلَ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ.
وَإِذَا كَانَت مُخْتَصَّةً بِمَا سِوَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ: فَكذَلِكَ الْأُخْرَى، وَعَلَى مُقْتَضَى هَذِهِ الْعِلَّةِ لَا يُنْهَى عَن الصَّلَاةِ وَقْتَ الزَّوَالِ لَا فِي الشِّتَاءِ وَلَا يَوْمِ الْجُمُعَةِ، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي "السُّنَنِ" عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّهُ نَهَى عَن الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ" (١)، وَهُوَ أَرْجَحُ مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي الْفَجْرِ مُعَلَّقٌ بِالْوَقْتِ. ٢٣/ ٢٠٥ - ٢٠٩
٢٧٢٣ - النَّهْيُ عَن الصَّلَاةِ فِيهَا (٢) هُوَ مِن بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ؛ لِئَلَّا يَتَشَبَّهُ بِالْمُشْرِكِينَ فَيُفْضِي إلَى الشِّرْكِ، وَمَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ، لَا لِأَنَّهُ مَفْسَدَةٌ فِي نَفْسِهِ: يُشْرَعُ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ، وَلَا تَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ لِغَيْرِ مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ.
وَالصَّلَاةُ للهِ فِيهِ لَيْسَ فِيهَا مَفْسَدَةٌ؛ بَل هِيَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْمَفْسَدَةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَتِ الْمَصْلَحَةُ إلَّا بِالذَّرِيعَةِ (٣) شُرِعَتْ، وَاكْتَفَى مِنْهَا إذَا لَمْ يَكُن هُنَاكَ مَصْلَحَةٌ، وَهُوَ التَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ مَفْسَدَةٌ وَلَا تَفْوِيتُ مَصْلَحَةٍ لِإِمْكَانِ فِعْلِهِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ.
وَهَذَا أَصْلٌ لِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ: فِي أَنَّ مَا كَانَ مِن "بَابِ سَدِّ الذَّرِيعَةِ" إنَّمَا يُنْهَى عَنْهُ إذَا لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ، وَأَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ لِلْمَصْلَحَةِ الَّتِي لَا تَحْصُلُ إلَّا بِهِ:
(١) رواه أبو داود (١٠٨٣)، وقال: مرسل، وضعَّفه الألباني في ضعيف أبي داود.
(٢) أي: في أوقات النهي.
(٣) التي تُفضي إلى المفسدة.