صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ، قَالُوا: وَلَو كَانَت وَاجِبَةً لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ وَلَمْ يَكُن هُنَاكَ تَفْضِيل.
وَأَمَّا الْمُوجِبُونَ: فَاحْتَجُّوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ:
أَمَّا الْكتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} النساء: ١٠٢، وَفِيهَا دَلِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَمَرَهُم بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مَعَهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا حَالَ الْخَوْفِ، وَهُوَ يَدُلُّ بِطَرِيقِ الْأوْلَى عَلَى وُجُوبِهَا حَالَ الْأَمْنِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ سَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ جَمَاعَةً وَسَوَّغَ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ كَاستِدْبَارِ الْقِبْلَةِ، وَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ عُذْرٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَلِكَ مُفَارَقَةُ الْإِمَامِ قَبْلَ السَّلَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَكَذَلِكَ التَّخَلُّفُ عَن مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، كَمَا يَتَأَخَّرُ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بَعْدَ رُكُوعِهِ مَعَ الْإِمَامِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ أَمَامَهُم.
قَالُوا: وَهَذِهِ الْأُمُورُ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ لَو فعِلَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَلَو لَمْ تَكُن الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةً؛ بَل مُسْتَحَبَّةً لَكَانَ قَد الْتَزَمَ فِعْلَ مَحْظُورٍ مُبْطِلٍ لِلصَّلَاةِ وَتُرِكَت الْمُتَابَعَةُ الْوَاجِبَةُ فِي الصَّلَاةِ لِأَجْلِ فِعْلٍ مُسْتَحَبٍّ، مَعَ أَنَّهُ قَد كَانَ مِن الْمُمْكِنِ أَنْ يُصَلُّوا وُحْدَانًا صَلَاةً تَامَّةً، فَعُلِمَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُم بِتَفْضِيلِ صلَاةِ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ فَعَنْهُ جَوَابَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَمَن صَحَّحَ صَلَاتَهُ قَالَ: الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ كَالْوَقْتِ، فَإِنَّهُ لَو أَخَّرَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الِاصْفِرَارِ كَانَ آثِمًا مَعَ كَوْنِ الصَّلَاةِ صَحِيحَةً؛ بَل وَكَذَلِكَ لَو أَخَّرَهَا إلَى أَنْ يَبْقَى مِقْدَارَ رَكْعَةٍ كَمَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ": "مَن أَدْرَكَ رَكْعَةً مِن الْعَصْرِ فَقَد أَدْرَكَ الْعَصْرَ" (١).
(١) رواه البخاري (٥٧٩)، ومسلم (٦٠٨).