(هل تبرأ ذمَّة الْإِنْسَانِ إذَا تَرَكَ الْجَمَاعَةَ وَصَلَّى وَحْدَهُ؟ وما حكم صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مُضْطَجِعًا؟)
٢٧٣١ - مِن النَّاسِ مَن لَا يَعْرِفُ مَذَاهِبَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَد نَشَأَ عَلَى قَوْلٍ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ، فَيَظُنُّهُ إجْمَاعًا؛ كَمَن يَظنُّ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ الْجَمَاعَةَ وَصَلَّى وَحْدَهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُة إجْمَاعًا، وَلَيْسَ الْأمْرُ كَذَلِكَ؛ بَل لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ فِي إجْزَاء هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَد فِيهَا قَوْلَانِ، فَطَائِفَةٌ مِن قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ يَقُولُونَ: مَن صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ وَحْدَهُ مِن غَيْرِ عُذْرٍ يُسَوِّغُ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَن صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا فِي جَمَاعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِلَّا بَاءَ بِإِثْمِهِ كَمَا يَبُوءُ تَارِكُ الْجُمُعَةِ بِإِثْمِهِ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَكْثَرُ الْآثَارِ الْمَرْوِّيَةِ عَن السَّلَفِ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَابِعِينَ تَدُلُّ عَلَى هَذَا (١).
وَقَد احْتَجُّوا بِمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "مَن سَمِعَ النِّدَاءَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ مِن غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ" (٢).
وَأَجَابُوا عَن حَدِيثِ التَّفْضِيلِ بِأَنَّهُ فِي الْمَعْذُورِ الَّذِي تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ وَحْدَهُ.
كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِن صَلَاةِ الْقَائِمِ، وَصَلَاةُ الْمُضْطَجِعِ عَلَى النِّصْفِ مِن صَلَاةِ الْقَاعِدِ" (٣)، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْذُورُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَرَجَ وَقَد أَصَابَهُم وَعْكٌ، وَهُم يُصَلُّونَ قُعُودًا فَقَالَ ذَلِكَ.
وَلَمْ يُجَوِّزْ أَحَدٌ مِن السَّلَفِ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ مُضْطَجِعًا مِن غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا
(١) وقد اختار هذا القول الشيخ - رَحِمَهُ اللهُ - في موضعين في الفتاوى.
(٢) رواه الترمذي (٢١٧)، وابن ماجه (٧٩٣)، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب (٤٢٦).
(٣) رواه البخاري بنحوه (١١١٥).