فِي نَفْسِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَهُ، وَمَن قَالَ إنَّهُ يَكْفُرُ أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ خَلْفَ كَافِرٍ.
لَكِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَالنَّاسُ مُضْطَرِبُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَد حُكِيَ عَن مَالِكٍ فِيهَا رِوَايَتَانِ، وَعَن الشَّافِعِيِّ فِيهَا قَوْلَانِ، وَعَن الْإِمَامِ أَحْمَد أَيْضًا فِيهَا رِوَايَتَانِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْكَلَامِ فَذَكَرُوا لِلْأَشْعَرِيِّ فِيهَا قَوْلَيْنِ، وَغَالِبُ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ فِيهَا تَفْصِيلٌ.
وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْقَوْلَ قَد يَكُونُ كُفْرًا فَيُطْلَقُ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ صَاحِبِهِ، وَيُقَالُ: مَن قَالَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، لَكِنَّ الشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ الَّذِي قَالَهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا.
فَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ نَوْعٍ وَتَسْمِيَتِهِ مَسَائِلَ الْأُصُولِ، وَبَيْنَ نَوْعٍ آخَرَ وَتَسْمِيَتِهِ مَسَائِلَ الْفُرُوعِ: فَهَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ لَا عَن الصَّحَابَةِ وَلَا عَن التَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَانٍ وَلَا أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَن الْمُعْتَزِلَةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِن أَهْلِ الْبِدَعِ، وَعَنْهُم تَلَقَّاهُ مَن ذَكَرَهُ مِن الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ، وَهُوَ تَفْرِيق مُتَنَاقِضٌ.
فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَن فَرَّقَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ: مَا حَدٌ مَسَائِلِ الْأُصُولِ الَّتِي يَكْفرُ الْمُخْطِئُ فِيهَا؟ وَمَا الْفَاصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ؟
فَإِنْ قَالَ: مَسَائِلُ الْأُصُولِ هِيَ مَسَائِلُ الِاعْتِقَادِ، وَمَسَائِلُ الْفرُوعِ هِيَ مَسَائِلُ الْعَمَلِ.
قِيلَ لَهُ: فَتَنَازَعَ النَّاسُ فِي مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - هَل رَأَى رَبَّهُ أَمْ لَا؟
وَفِي أَنَّ عُثْمَانَ أَفْضَلُ مِن عَلِيٍّ أَمْ عَلِيٌّ أَفْضَلُ؟
وَفِي كَثِيرٍ مِن مَعَانِي الْقُرْآنِ وَتَصْحِيحِ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ هِيَ مِن الْمَسَائِلِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ وَلَا كُفْرَ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ.
وَوُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَتَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ وَالْخَمْرِ هِيَ مَسَائِلُ عَمَلِيَّةٌ وَالْمُنْكِرُ لَهَا يَكْفُرُ بِالِاتِّفَاقِ.