بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لَيْسَ مُعَلَّقًا بِالسَّفَرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ، بِخِلَافِ الْقَصْرِ. ٢٤/ ٣٧
٢٨٠٦ - حَدُّ السَّفَرِ الَّذِي عَلَّقَ الشَّارعُ بِهِ الْفِطْرَ وَالْقَصْرَ: قِيلَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ، وَقِيلَ: أَقَلُّ مِن ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ: مِيلٌ.
وَاَلَّذِينَ حَدَّدُوا ذَلِكَ بِالْمَسَافَةِ مِنْهُم مَن قَالَ: ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ مِيلًا، وَقِيلَ: سِتَّة وَأَرْبَعُونَ، وَقِيلَ: خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ، وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ، وَهَذِهِ أَقْوَالٌ عَن مَالِكٍ.
وَقَد قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ المقدسي: لَا أَعْلَمُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ وَجْهًا (١).
وَهُوَ كَمَا قَالَ رَحِمهُ اللهِ فَإِنَّ التَّحْدِيدَ بِذَلِكَ لَيْسَ ثَابِتًا بِنَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ.
وَأَيْضًا: فَالتَّحْدِيدُ بِالْأَمْيَالِ وَالْفَرَاسِخِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ مِسَاحَةِ الْأَرْضِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا خَاصَّةُ النَّاسِ، وَمَن ذَكَرَهُ فَإِنَّمَا يُخْبِرُ بِهِ عَن غَيْرِهِ تَقْلِيدًا، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا يُقْطَعُ بِهِ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُقَدِّرْ الْأَرْضَ بِمِسَاحَةٍ أَصْلًا، فَكَيْفَ يُقَدِّرُ الشَّارعُ لِأُمَّتِهِ حَدًّا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ مَبْعُوثٌ إلَى جَمِيعِ النَّاسِ؟
(١) ونص كلامه كما في المغني (٢/ ١٩٠): وَلَا أَرَى لِمَا صَارَ إلَيْهِ الْأئِمَّةُ حُجَّةً؛ لِأنَّ أقْوَالَ الصَّحَابَةِ مُتَعَارِضَةٌ مُخْتَلِفَةْ، وَلَا حُجَّةَ فِيهَا مَعَ الِاخْتِلَافِ. وَقَد رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، خِلَافُ مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا.
ثُمَّ لَو لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ: لَمْ يَكُن فِي قَوْلِهِمْ حُجَّةٌ مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِعْلِهِ، وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ أَقْوَالُهُم امْتَنَعَ الْمَصِيرُ إلَى التقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرُوهُ؛ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي رَوَيْنَاهَا، وَلظَاهِرِ الْقُرْآنِ؛ لِأن ظَاهِرَهُ إبَاحَةُ الْقَصْرِ لِمَن ضَرَبَ فِي الْأرْضِ، لِقَوْلهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} النساء: ١٠١، وَقَد سقَطَ شَرْطُ الْخَوْفِ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ عَن يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، فَبَقِيَ ظَاهِرُ الْآيَةِ مُتَنَاوِلًا كُل ضَرْبِ فِي الْأرْضِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ التَّقْدِيرَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ، فَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ بِرَأْي مُجَرَّدٍ، سِيَّمَا وَلَيْسَ لَهُ أصْلٌ يُرَدُّ إلَيْهِ، وَلَا نَظِيرٌ يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَالْحُجَّةُ مَعَ مَن أبَاحَ الْقَصْر لِكُلِّ مُسَافِرٍ، إلَّا أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ. اهـ.