فَيُشَبِّهُهُ بِذِكْرِ الأشْرَافِ فِي تَثْلِيثِهِ وَضَمِّ التَّهْلِيلِ إلَيْهِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا أَحْمَد وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْزهُمَا فَاخْتَارُوا فِيهِ مَا رَوَوْهُ عَن طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَرَوَاهُ الدارقطني مِن حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَالله أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ"، فَيشفعُونَهُ مَرَّتَيْنِ، ويقْرِنُونَ بِهِ فِي إحْدَاهُمَا التَّهْلِيلَ وَفِي الْأُخْرَى الْحَمْدَ، تَشْبِيهًا لَهُ بِذِكْرِ الْأَذَانِ، فَإِنَّ هَذَا بِهِ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْأعْيَادِ الَّتِي يُجْتَمَعُ فِيهَا اجْتِمَاعًا عَامًّا، كَمَا أَنَّ الْأَذَانَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ، فَشَابَهَ الْأَذَانَ فِي أَنَّهُ تَكْبِيرُ اجْتِمَاع لَا تَكْبِيرُ مَكَانٍ، وَأَنَّهُ مُتَعَلِّق بِالصَّلَاةِ لَا بِالشَّرَفِ، فَشُرعَ تَكْرِيرُهُ كَمَا شُرعَ تَكْرِيرُ تَكْبِيرِ الْأَذَانِ، وَهُوَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَشْفُوعٌ، وَكلُّ الْمَأْثُورِ حَسَن.
وَقَاعِدَتُنَا فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ الْقَوَاعِدِ: أَنَّ جَمِيعَ صِفَاتِ الْعِبَادَاتِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إذَا كَانَت مَأْثُورَةً أَثَرًا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ لَمْ يُكْرَهْ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ، بَل يُشْرَعُ ذَلِكَ كُلُّهُ. ٢٤/ ٢٤١ - ٢٤٤
٢٨٥٩ - التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ: يَقُولُ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ الله مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَأَحَالَة اللهُ عَلَيْك وَنَحْوُ ذَلِكَ: فَهَذَا قَد رُوِيَ عَن طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُم كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَرَخَّصَ فِيهِ الْأَئِمَّةُ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
لَكِنْ قَالَ أَحْمَد: أَنَا لَا أَبْتَدِئُ أَحَدًا فَإِنْ ابْتَدَأَنِي أَحَدٌ أَجَبْته.
وَذَلِكَ لِأَنَّ جَوَابَ التَّحِيَّةِ وَاجِبٌ (١)، وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ بِالتَّهْنِئَةِ فَلَيْسَ سُنَّةً
(١) الشيخ يرى وجوب جواب التحية مطلقًا ما لم تكن محرمة، فليس الوجوب مختصًّا بالسلام، أخذا بظاهر القرآن: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} النساء: ٨٦ قال العلَّامة السعدي رَحِمهُ اللهُ: التحية هي: اللفظ الصادر من أحد المتلاقيين على وجه الإكرام والدعاء، وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها.
وأعلى أنواع التحية ما ورد به الشرع، من السلام ابتداء وردًّا، فأمر تعالى المؤمنين أنهم إذا حُيّوا بأي تحية كانت أن يردوها بأحسن منها لفظًا وبشاشة، أو مثلها في ذلك.
ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية أو ردها بدونها. =