وَكَمَا أَنَّ الْعَادَةَ الَّتِي أَجْرَاهَا اللهُ تَعَالَى أَنَّ الْهِلَالَ لَا يَسْتَهِلُّ إلَّا لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنَ الشَّهْرِ، أَو لَيْلَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ، وَأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَكُونُ إلَّا ثَلَاثِينَ أَو تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، فَمَن ظَنَّ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ أَو أَقَلَّ فَهُوَ غالط.
فَكَذَلِكَ أَجْرَى اللهُ الْعَادَةَ أَنَّ الشَّمْسَ لَا تَكْسِفُ إلَّا وَقْتَ الِاسْتِسْرَارِ (١)، وَأنَّ الْقَمَرَ لَا يَخْسِفُ إلَّا وَقْتَ الْإِبْدَارِ، وَوَقْتُ إبْدَارِهِ هِيَ اللَّيَالِي الْبِيضُ الَّتِي يُسْتَحَبُّ صِيَامُ أَيَّامِهَا: لَيْلَةُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ؛ فَالْقَمَرُ لَا يَخْسِفُ إلَّا فِي هَذِهِ اللَّيَالِي.
وَالْهِلَالُ يَسْتَسِرُّ آخِرَ الشَّهْرِ: إمَّا لَيْلَةً وَإِمَّا لَيْلَتَيْنِ، كَمَا يَسْتَسِرُّ لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثينَ.
وَالشَّمْسُ لَا تَكْسِفُ إلَّا وَقْتَ اسْتِسْرَارِهِ.
وَللشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَيَالِي مُعْتَادَةٌ مَن عَرَفَهَا عَرَفَ الْكُسُوفَ وَالْخُسُوفَ، كَمَا أَنَّ مَن عَلِمَ كَمْ مَضَى مِنَ الشَّهْرِ يَعْلَمُ أَنَّ الْهِلَالَ يَطْلُعُ فِي اللَّيْلَةِ الْفُلَانِيَّةِ أَو الَّتِي قَبْلَهَا، لَكِنَّ الْعِلْمَ بِالْعَادَةِ فِي الْهِلَالِ عِلْمٌ عَامٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ، وَأَمَّا الْعِلْمُ بِالْعَادَةِ فِي الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ فَإِنَّمَا يَعْرِفُهُ مَن يَعْرِفُ حِسَابَ جَرَيَانِهِمَا.
وَلَيْسَ خَبَرُ الْحَاسِبِ بِذَلِكَ مِن بَابِ عِلْمِ الْغَيْبِ وَلَا مِن بَابِ مَا يُخْبِرُ بِهِ مِنَ الْأَحْكامِ الَّتِي يَكُونُ كَذِبُة فِيهَا أَعْظَمَ مِن صِدْقِهِ.
وَمَعَ هَذَا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى خَبَرِهِمْ عِلْمٌ شَرْعِيٌّ، فَإِنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ لَا تُصَلَّى إلَّا إذَا شَاهَدْنَا ذَلِكَ.
وَإِذَا جَوَّزَ الْإِنْسَان صِدْقَ الْمُخْبِرِ بِذَلِكَ أَو غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ (٢)، فَنَوَى أَنْ
(١) مأخوذ من السَّرَرِ، والْمُرَادُ به: آخرُ الشَهْرِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لاسْتِتِسْرارِ الْقمَرِ فيها وهيَ لَيْلَةُ ثَمانٍ وعِشْرينَ وتسْعٍ وعِشْرينَ وثلاثينَ.
قال في مختار الصحاح، مادة: (س ر ر): سَرَرُ الشَهْرِ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْهُ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِن قَوْلِهِمْ: اسْتَسَرَّ الْقَمَرُ؛ أيْ: خَفِيَ لَيْلَةَ السِّرَارِ، فَرُبَّمَا كَانَ لَيْلَةً وَرُبَّمَا كَانَ لَيْلَتَيْنِ. اهـ.
(٢) كما هو الواقع في هذا الزمان، حيث يُعلن عن ذلك، ويستعد كثيرٌ من المسلمين لصلاة الكسوف والخسوف.