مَجْهُولٌ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَن الْكَيْفِيَّةِ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ سُؤَالٌ عَمَّا لَا يَعْلَمُهُ الْبَشَرُ، وَلَا يُمْكِنُهُم الْإِجَابَةُ عَنْهُ.
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: كَيْفَ يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا؟
قِيلَ لَهُ: كَيْفَ هُوَ؟
فَإِذَا قَالَ: لَا أَعْلَمُ كَيْفِيَّتَهُ.
قِيلَ لَهُ: وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ نُزُورلهِ؛ إذ الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الصفَةِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِكَيْفِيَّةِ الْمَوْصُوفِ، وَهُوَ فَرْعٌ لَهُ وَتَابعٌ لَهُ، فَكَيْفَ تُطَالِبُنِي بِالْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَتَكْلِيمِهِ، وَاسْتِوَائِهِ، وَنُزُولهِ، وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ ذَاتِهِ؟
وَإِذَا كُنْت تُقِرُّ بِأَنَّ لَهُ حَقِيقَةً ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُسْتَوْجِبَةً لِصِفَاتِ الْكَمَالِ لَا يُمَاثِنهَا شَيْءٌ، فَسَمْعُهُ، وَبَصَرُهُ، وَكَلَامُهُ، وَنُزُولُهُ، وَاسْتِوَاؤُهُ: ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي لَا يُشَابِهُهُ فِيهَا سَمْعُ الْمَخْلُوقِينَ وَبَصَرُهُم وَكَلَامُهُم وَنُزُولُهُم وَاسْتِوَاؤُهُمْ. ٣/ ٢٥ - ٢٦
٢٦٧ - لَا يُوجَدُ لنفاة بَعْضِ الصِّفَاتِ دُونَ بَعْضٍ (١): قَانُونٌ مُسْتَقِيمُ.
فَإِذَا قِيلَ لَهُم: لِمَ تَأَوَّلْتُمْ هَذَا وَأَقْرَرْتُمْ هَذَا وَالسُّؤَالُ فِيهِمَا وَاحِدٌ؟
لَمْ يَكُن لَهُمْ جَوَابٌ صَحِيحٌ، فَهَذَا تَنَاقُضُهُم فِي النَّفْيِ.
وَكَذَا تَنَاقُضُهُم فِي الْإِثْبَاتِ؛ فَإِنَّ مَن تَأَوَّلَ النُّصُوصَ عَلَى مَعْنًى مِن الْمَعَانِي الَّتِي يُثْبِتُهَا، فَإِنَّهُم إذَا صَرَفُوا النَّصَّ عَن الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مُقْتَضَاهُ إلَى مَعْنًى آخَرَ: لَزِمَهُم فِي الْمَعْنَى الْمَصْرُوفِ إلَيْهِ مَا كَانَ يَلْزَمُهُم فِي الْمَعْنَى الْمَصْرُوفِ عَنْهُ.
فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: تَأْوِيلُ مَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ: هُوَ إرَادَتُهُ لِلثَّوَابِ
(١) كالأشعريّة، حيث أثبتوا سبع صفات، وهِيَ: الْحَيَاة وَالْعلم وَالْقُدْرَة والإرادة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام، ونفوا غيرها!