مَعَ أَنَّ الصَّوَابَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ سَلَفُهُم وَخَلَفُهُم أَنَّهُ لَا يُحْلَفُ بِمَخْلُوقِ، لَا نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِ نَبِيٍ، وَلَا مَلَكٍ مِن الْمَلَائِكَةِ وَلَا مَلِكٍ مِن الْمُلُوكِ وَلَا شَيْخٍ مِن الشُّيُوخِ.
وَالنَّهْيُ عَن ذَلِكَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ. ٢٧/ ٣٤٦ - ٣٤٩
٢٩٥٤ - زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِمُجَرَّدِ الْحُزْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لِقَرَابَتِهِ أَو صَدَاقَتِهِ: مُبَاحَةٌ، كَمَا يُبَاحُ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ بِلَا نَدْبٍ وَلَا نِيَاحَةٍ، كَمَا زَارَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَن حَوْلَهُ وَقَالَ: "زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكَرُكُم الْآخِرَةَ" (١). فَهَذِهِ الزِّيَارَةُ كَانَ نَهَى عَنْهَا لِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِن الْمُنْكَرِ، فَلَمَّا عَرَفُوا الْإِسْلَامَ أَذِنَ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا مَصْلَحَةٌ وَهُوَ تَذَكُّرُ الْمَوْتِ. ٢٧/ ٣٧٨
٢٩٥٥ - حَدَّثَنِي جِيرَانُ الْقَبْرِ الَّذِي بِجَبَلِ لُبْنَانَ بِالْبِقَاعِ الَّذِي يُقَالُ إنَّهُ قَبْرُ نُوحٍ، وَكَانَ قَد ظَهَرَ قَرِيبًا فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ السَّابِعَةِ، وَأَصْلُهُ: أَنَّهُم شَمُّوا مِن قَبْرٍ رَائِحَةً طَيِّبَةً وَوَجَدُوا عِظَامًا كَبِيرَةً فَقَالُوا: هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى كَبِيرِ خَلْقِ الْبِنْيَةِ فَقَالُوا - بِطَرِيقِ الظَّنِّ- هَذَا قَبْرُ نوحٍ، وَكَانَ بِالْبُقْعَةِ مَوْتَى كَثِيرُونَ مِن جِنْسِ هَؤُلَاءِ.
وَكَذَلِكَ بِدِمَشْقَ بِالْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مَشْهَدٌ يُقَالُ: إنَّهُ قَبْرُ أبي بْنِ كَعْبٍ، وَقَد اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أُبيًّا لَمْ يَقْدَمْ دِمَشْقَ، وَإِنَّمَا مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَفولُ: إنَّهُ قَبْرُ نَصْرَانِيٍّ، وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ، فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى هُم السَّابِقُونَ فِي تَعْظِيمِ الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ (٢).
وَالنَّصَارَى أَشَدُّ غلُوًّا فِي ذَلِكَ مِن الْيَهُودِ.
وَاَلَّذِينَ يُعَظِّمُونَ الْقُبُورَ وَالْمَشَاهِدَ: لَهُم شَبَهٌ شَدِيدٌ بِالنَّصَارَى.
وَكَانَ بَعْضُ النَّصَارَى يَقُولُ لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ: لنَا سَيِّدٌ وَسَيِّدَةٌ، وَلَكُمْ سَيِّدٌ وَسَيِّدَةٌ، لنَا السَّيِّدُ الْمَسِيحُ وَالسَّيِّدَةُ مَرْيَمُ، وَلَكُمْ السَّيِّدُ الْحُسَيْنُ وَالسَّيِّدَةُ نَفِيسَةُ.
(١) رواه مسلم (٩٧٦).
(٢) والرافضة اليوم مثلهم أو يفوقونهم.