حَالًّا فِيهَا: فَهُوَ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ: فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِن خَلْقِهِ.
الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا قَالَ الْقَائِلُ: ظَاهِرُ النُّصُوصِ مُرَادٌ أَو ظَاهِرُهَا لَيْسَ بِمُرَادِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: لَفْظُ الظَّاهِرِ فِيهِ إجْمَالٌ وَاشْتِرَاكٌ، فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ يَعْتَقِدُ أَنَّ ظَاهِرَهَا التَّمْثِيلُ بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، أَو مَا هُوَ مِن خَصَائِصِهِمْ، فَلَا رَيْبَ أنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ.
وَلَكِنَّ السَّلَفَ وَالْأَئِمَّةَ لَمْ يَكُونُوا يُسَمُّونَ هَذَا ظَاهِرَهَا، وَلَا يَرْتَضُونَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ كُفْرًا وَبَاطِلًا، وَاللهُ -سبحانه وتعالي- أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ مِن أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ الَّذِي وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ إلَّا مَا هُوَ كُفْرٌ أَو ضَلَالٌ.
ثُمَّ إنَّ مِن الْمَعْلُومٍ أَنَّ الرَّبَّ لَمَّا وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ: لَمْ يَقُل الْمُسْلِمُونَ إنَّ ظَاهِرَ هَذا غَيْرُ مُرَادٍ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ مِثْلُ مَفْهُومِهِ فِي حَقِّنَا؛ فَكَذَلِكَ لَمَّا وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ بِيَدَيْهِ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ غَيْرَ مُرَادٍ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ كَمَفْهُومِهِ فِي حَقِّنَا (١)؛ بَل صِفَةُ الْمَوْصُوفِ تُنَاسِبُهُ.
فَإِذَا كَانَت نَفْسُهُ الْمُقَدَّسَةُ لَيْسَتْ مِثْل ذَوَاتِ الْمَخْلُوقِينَ: فَصِفَاتُهُ كَذَاتِهِ لَيْسَتْ كَصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، وَنِسْبَةُ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ صِفَةِ الْخَالِقِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمَنْسُوبُ كَالْمَنْسُوبِ، وَلَا الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ كَالْمَنْسُوبِ إلَيْهِ (٢)؛ كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ"، فَشَبَّهَ الرُّؤْيَةَ بِالرُّؤَيةِ، وَلَمْ يُشَبِّه الْمَرْئِيَّ بِالْمَرْئِيِّ. ٣/ ٤٣ - ٤٧
(١) وهو: التمثيل.
(٢) المنسوب هو الصفة، والمنسوب إليه هو الموصوف، أي: ليست الصفة المنسوبة إلى الله كالصفة المنسوبة إلى المخلوق، ولا المنسوب إليه كالمنسوب إليه؛ أي: وليس الخالق الذي تنسب إليه صفاته كالمخلوق الذي تنسب إليه صفاته. شرح الرسالة التدمرية للشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك: (٢٤٩).