الْفتْيَا وَلَا قَالَ: إنَّهَا مَعْصِيَةٌ، وَلَا حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهَا.
وَلَمَّا وَصَلَ خَطُّ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ إلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ كَثُرَ الْكَلَامُ وَعَظُمَت الْفِتْنَةُ، وَطَلَبَ الْقُضَاةُ بِهَا، فَاجْتَمَعُوا وَتَكَلَّفوا وَأَشَارَ بَعْضُهُم بِحَبْسِ الشَّيْخِ، فَرَسَمَ السُّلْطَانُ بِهِ.
وَقَد وَصَلَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ فِي هَذِهِ الْمَسْأْلَةِ إلَى عُلَمَاءِ بَغْدَادَ فَقَامُوا فِي الِانْتِصَارِ لَهُ وَكَتَبُوا بِمُوَافَقَتِهِ وَرَأَيْت خُطُوطَهُم بِذَلِكَ.
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللهِ تَعَالَى: -بَعْدَ حَمْدِ اللهِ السَّابِغَةِ نِعَمُهُ السَّابِقَةِ مِنَنُهُ. وَالصَّلَاةُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ-.
الْمَرْجُوُّ مِن أَلْطَافِ الْحَضْرَةِ الْمُقَدَّسَةِ -زَادَهَا اللهُ تَعَالَى عُلُوًّا وَشَرَفًا- أَنْ يَكُونَ لِلْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُم وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَصَفْوَةُ الْأصْفِيَاءِ وَعِمَادُ الدِّينِ وَمَدَارُ أَهْلِ الْيَقِينِ: حَظٌّ مِن الْعِنَايَةِ السُّلْطَانِيَّةِ وَافِرٌ، وَنَصِيبٌ مِن الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ، فَإِنَّهَا مَنْقَبَةٌ لَا يُعَادِلُهَا فَضِيلَةٌ، وَحَسَنَةٌ لَا يُحِيطُهَا سَيِّئَةٌ؛ لِأنَّهَا حَقِيقَةُ التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى، وَخُلَاصَةُ الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى.
وَلَا ريبَ أَنَّ الْمَمْلُوكَ وَقَفَ عَلَى مَا سُئِلَ عَنْهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ، وَحِيدُ دَهْرِهِ، وَفَرِيدُ عَصْرِهِ، تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد ابْنُ تَيْمِيَّة وَمَا أَجَابَ
= وقد قال رَحِمَهُ اللهُ: وَلَا نَهَى أَحَدٌ عَن السَّفَرِ إلَى مَسْجِدِهِ، وَإِن كَانَ الْمُسَافِرُ إلَى مَسْجِدِهِ يَزُورُ قَبْرَهُ -صلى الله عليه وسلم-، بَل هَذَا مِن أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِن كَلَامِي وَكَلَام غَيْرِي نَهْيٌ عَن ذَلِكَ، وَلَا نَهْيٌ عَن الْمَشْرُوعِ فِي زَبارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَلَا عَن الْمَشْرُوعِ فِي زِيارَةِ سَائِرِ الْقُبُورِ، بَل قَد ذَكَرْت فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ اسْتِحْبَابَ زِيارَةِ الْقُبُورِ.
وَإِذَا كَانَت زِيَارَةُ قُبُورِ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ مَشْرُوعَةً فَزِيَارَةُ قُبُورِ الْأَنْبيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَوْلَى (٢٧/ ٣٣٠ - ٣٣١)