فَتَبَيَّنَ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ سَائِلًا بِلِسَانِهِ، أَو مُشْرِفًا إلَى مَا يُعْطَاهُ: فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَهُ إلَّا حَيْثُ تُبَاحُ لَهُ الْمَسْألَةُ وَالِاسْتِشْرَافُ.
وَأَمَّا إذَا أَتَاهُ مِن غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافٍ: فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ أَعْطَاهُ حَقَّهُ، كمَا أعْطَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عُمَرَ مِن بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ قَد كَانَ عَمِلَ فَأَعْطَاهُ عِمَالَتَهُ، وَلَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ كَمَا فَعَلَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَبِلَهُ وَكَانَ مِن غَيْرِ إشْرَافٍ لَهُ عَلَيْهِ فَقَد أَحْسَنَ.
وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَافِئَ بِالْمَالِ مَن أَسْدَاهُ إلَيْهِ؛ لِخَبَرِ: "مَن أَسْدَى إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكافِئُوهُ، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا لَهُ مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَد كَافَأْتُمُوهُ" (١). ٢٥/ ٩٤ - ٩٥
قَوْلُهُ: "لَمْ يَرْزَأْ": أَيْ: "لَمْ يُنْقِصْ"، لَا "لَمْ يَسْأَلْ" كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ.
فَفِيهِ: أَنَّ حَكِيمًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِن أَحَدٍ شَيْئًا، وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَهَذَا حُجَّةٌ فِي جَوَازِ الرَّدِّ وَإِن كَانَ عَن غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافٍ. ٢٥/ ٩٧
٣٠٢٥ - الْأَمْوَالُ الَّتِي بِأَيْدِي هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ المتناهبين إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّن: فَإِنَّهُ يُخْرِجُ زَكَاتَهَا، فَإِنَّهَا إنْ كَانَت مِلْكًا لِمَن هِيَ فِي يَدِهِ كَانَت زَكَاتُهَا عَلَيْهِ، وَإِن لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُ وَمَالِكُهَا مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا كُلِّهَا، فَإِذَا تَصَدَّقَ بِقَدْرِ زَكَاتِهَا كَانَ خَيْرًا مِن أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِشَيء مِنْهَا.
فَإِخْرَاجُ قَدْرِ الزَّكَاةِ مِنْهَا أَحْسَن مِن تَرْكِ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.
= قال المهلب: في حديث حكيم من الفقه: أن سؤال السلطان الأعلى ليس بعار.
وفيه: أن السائل إذا ألحف لا بأس برده وتخييبه وموعظته، وأمره بالتعفف وترك الحرص على الأخذ.
(١) صحَّحه الألباني في صحيح النسائي (٢٥٦٦).