ومن خطر في قلبه أنه صائم غدًا فقد نوى.
ومن كان يعلم أنَّ غدًا من رمضان وهو مسلم يعتقد وجوب الصوم وهو مريد للصوم: فهذا نية الصوم (١)، وهو حين يتعشى: يتعشى عشاء من يريد الصوم؛ ولهذا يُفرَّق بين عشاء ليلة العيد وعشاء ليالي شهر رمضان، فليلة العيد يعلم أنه لا يصوم فلا يريد الصوم ولا ينوه ولا يتعشى عشاء من يريد الصوم (٢). المستدرك ٣/ ١٧١ - ١٧٢
٣٠٦٩ - اخْتَلَفُوا فِي تَبْيِيتِ نِيَّتِهِ أي: الصيام عَلَى ثَلَاثَةِ أقْوَالٍ:
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ -مِنْهُم أَبُو حَنِيفَةَ- إنَّهُ يُجْزِئُ كُلُّ صَوْمٍ فَرضًا كَانَ أو نَفْلًا بِنِيَّة قَبْلَ الزَّوَالِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَاشُورَاءَ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَلَمْ يَجِدْ طَعَامًا فَقَالَ: "إنِّي إذًا صَائِمٌ".
وَبِإِزَائِهَا طَائِفَةٌ أُخْرَى -مِنْهُم مَالِكٌ- قَالَتْ: لَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ إلَّا مُبَيَّتًا مِن اللَّيْلِ فَرضًا كَانَ أَو نَفْلًا عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ حَفْصَةَ وَابْنِ عُمَرَ: الَّذِي يُرْوَى مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: "لَا صِيَامَ لِمَن لَمْ يُبَيِّت الصِّيَامَ مِن اللَّيْلِ" (٣).
وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ: فَالْفَرْضُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِتَبْيِيتِ النِّيَّةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ حَفْصَةَ وَابْنِ عُمَرَ؛ لِأنَّ جَمِيعَ الزَّمَانِ يَجِبُ فِيهِ الصَّوْمُ، وَالنِّيَّةُ لَا تَنْعَطِفُ عَلَى الْمَاضِي.
وَأمَّا النَّفْلُ فَيُجْزِئُ بِنِيَّةٍ مِن النَّهَارِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: "إنِّي إذًا صَائِمٌ" (٤)، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ يَجِبُ فِيهَا مِن الْأرْكَانِ- كَالْقِيَامِ وَالِاسْتِقْرَارِ
(١) فلا تحتاج نية الصوم إلى جهد وتكلف.
(٢) منهاج السُّنَّة (٥/ ٣٩٩)، وقد أخذتها منه؛ لأن كلامه أتم مما في الفروع وغيرِه، ويظهر أنهم نقلوا منه.
(٣) صحَّحه الألباني في صحيح النسائي (٢٣٣٣).
(٤) رواه مسلم (١١٥٤)، ولفظُه: عَنْ عَائِشَةَ أمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ: "يَا عَائِشَةُ، هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ قَالَ: "فَإِني صَائِمٌ".