وَطَرْدُ هَذَا: أَنَّ الْهِلَالَ إذَا ثَبَتَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ قَبْلَ الْأَكْلِ أَو بَعْدَهُ أَتَمُّوا وَأَمْسَكُوا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ، كَمَا لَو بَلَغَ صَبِيٌّ أَو أَفَاقَ مَجْنُون عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ.
فَإِنّ الْهِلَالَ مَأْخُوذٌ مِن الظُّهُورِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ، فَطُلُوعُهُ فِي السَّمَاءِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْأرْضِ فَلَا حُكْمَ لَهُ لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا.
فَلَا هِلَالَ إلَّا مَا اُسْتُهِلَّ، فَإِذَا اسْتَهَلَّهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَان فَلَمْ يُخْبِرَا بِهِ فَلَمْ يَكُن ذَاكَ هِلَالًا، فَلَا يَثْبُتْ بِهِ حُكْمٌ حَتَّى يُخْبِرَا بِهِ فَيَكُونُ خَبَرُهُمَا هُوَ الْإِهْلَالَ الَّذِي هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْإِخْبَارِ بِهِ، وَلأَنَّ التَّكْلِيفَ يَتْبَعُ الْعِلْمَ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ عِلْمُهُ لَمْ يَجِبْ صَوْمُهُ.
وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ التَّرْكُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ يَفْتَقِرُ إلَى دَليلٍ.
فَتَلَخَّصَ:
أ- أَنَّهُ مَن بَلَغَهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُؤَدِّي بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ الصَّوْمَ أَو الْفِطْرَ أَو النُّسُكَ وَجَبَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ بِلَا شَكِّ، وَالنُّصُوصُ وَآثَارُ السَّلَفِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
وَمَن حَدَّدَ ذَلِكَ بِمَسَافَةِ قَصْرٍ أَو إقْلِيمٍ فَقَوْلُهُ: مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَالشَّرْعِ.
ب- وَمَن لَمْ يَبْلُغْهُ إلَّا بَعْدَ الْأَدَاءِ وَهُوَ مِمَّا لَا يُقْضَى كَالْعِيدِ الْمَفْعُولِ وَالنُّسُكِ: فَهَذَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
ج- وَأَمَّا إذَا بَلَغَهُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ: فَهَل يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَفِي بِنَاءِ الْفِطْرِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ: مِن حُلُولِ الدَّيْنِ وَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْقَضَاء؟
يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَفِي بِنَاءِ الْفِطْرِ عَلَيْهِ نَظَرٌ.