وَلَو كَانَ جَمِيعُهُ حَقًّا: فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ إذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَخْرُجُوا مِن الشِّرْكِ الَّذِي وَصَفَهُم بِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَقَاتَلَهُم عَلَيْهِ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-؛ بَل لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَرِفُوا أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِلَهِ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ، كَمَا ظَنَهُ مَن ظَنَّهُ مِن أَئِمَّةِ الْمُتَكَلِّمِين .. فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُقِرُّونَ بِهَذَا وَهُم مُشْرِكُونَ؛ بَل الْإِلَهُ الْحَقُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِق بِأَنْ يُعْبَدَ، فَهُوَ إلَهٌ بِمَعْنَى مَألُوهٍ، لَا إلَهَ بِمَعْنَى آلِهٍ.
وَالتَّوْحِيدُ: أَنْ يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَالْإِشْرَاكُ: أَنْ يُجْعَلَ مَعَ اللهِ إلَهًا آخَرَ.
وَإِذَا تبَيَّنَ أَنَّ غَايَةَ مَا يُقَزرُهُ هَؤُلَاءِ النُّظَّارُ، أَهْلُ الْإِثْبَاتِ لِلْقَدَرِ، الْمُنْتَسِبُونَ إلَى السُّنَّةِ: إنَّمَا هُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ طَوَائِفُ مِن أَهْلِ التَّصَوُّفِ، وَالْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْقِيقِ وَالتَّوْحِيدِ: غَايَةُ مَا عِنْدَهُم مِن التَّوْحِيدِ هُوَ شُهُودُ هَذَا التَّوْحِيدِ، وَأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ اللهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَخَالِقُهُ. ٣/ ٨٩ - ١٠١
* * *
مذاهب الفرق الضالة في التوحيد
٢٧٤ - كَانَ جَهْمٌ يَنْفِي الصِّفَاتِ وَيَقُولُ بِالْجَبْرِ، فَهَذَا تَحْقِيقُ قَوْلِ جَهْمٍ، لَكِنَّهُ إذَا أَثْبَتَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ: فَارَقَ الْمُشْرِكِينَ مِن هَذَا الْوَجْهِ، لَكِنَّ جَهْمًا وَمَن اتَّبَعَهُ يَقُولُ بِالْإِرْجَاءِ، فَيَضْغفُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالثوَابُ وَالْعِقَابُ عِنْدَهُ.
والنجارية والضرارية وَغَيْرُهُم: يَقْرَبُونَ مِن جَهْمٍ فِي مَسَائِلِ الْقَدَرِ وَالْإِيمَانِ، مَعَ مُقَارَبَتِهِمْ لَهُ أَيْضًا فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ.
والْكُلَّابِيَة وَالْأَشْعَرِيَّةُ: خَيْرٌ مِن هَؤُلَاءِ فِي بَابِ الصِّفَاتِ؛ فَإِنَّهُم يُثْبِتُونَ للهِ الصِّفَاتِ الْعَقْلِيَّةَ، وَأَئِمَّتُهُم يُثْبِتُونَ الصّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ فِي الْجُمْلَةِ.