وَلَو نَذَرَ السَّفَرَ إلَى "قَبْرِ الْخَلِيلِ عليه السلام" أَو قَبْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أو إلَى "الطُّورِ" الَّذِي كَلَّمَ اللهُ عَلَيْهِ مُوسَى عيه السلام أو إلَى "جَبَلِ حِرَاءَ" .. وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الْمَقَابِرِ وَالْمَقَامَاتِ وَالْمَشَاهِدِ الْمُضَافَةِ إلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَشَايِخِ أَو إلَى بَعْضِ الْمَغَارَاتِ أَو الْجِبَالِ: لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِهَذَا النَّذْرِ بِاتِّفَاقِ الأئمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنَّ السَّفَرَ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَنْهِيّ عَنْه؛ لِنَهْيِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلَى ثَلَاَثةِ مَسَاجِدَ" (١).
وَالْعِبَادَاتُ الْمَشْرُوعَةُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى هِيَ مِن جِنْسِ الْعِبَادَاتِ الْمَشْرُوعَةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَغَيْرِهِ مِن سَائِرِ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَإِنَّهُ يُشْرَعُ فِيهِ زِيادَةٌ عَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ الطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ وَاسْتِلَامُ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ وَتَقْبِيلُ الْحَجَرِ الْأسْوَدِ. ٢٧/ ٦ - ١٠
٣٢٨٨ - لَيْسَ فِي الْأرْضِ مَكانٌ يُطَافُ بِهِ كَمَا يُطَافُ بِالْكَعْبَةِ، وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الطَّوَافَ بِغَيْرِهَا مَشْرُوعٌ فَهُوَ شَرٌّ مِمَن يَعْتَقِدُ جَوَازَ الصَّلَاةِ إلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ.
فَمَنِ اتَّخَذَ الصَّخْرَةَ الْيَوْمَ قِبْلَةً يُصَلِّي إلَيْهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، مَعَ أَنَّهَا كَانَت قِبْلَةَ لَكِنْ نُسِخَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ بِمَن يَتَخِذُهَا مَكَانًا يُطَافُ بِهِ كَمَا يُطَافُ بِالْكَعْبَةِ؟ وَالطَّوَافُ بِغَيْرِ الْكَعْبَةِ لَمْ يَشْرَعْهُ اللهُ. ٢٧/ ١٠ - ١١
٣٢٨٩ - إِنَّ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى اسْمٌ لِجَمِيعِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بَنَاهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَد صَارَ بَعْضُ النَّاسِ يُسَمِّي الْأقْصَى الْمُصَلى الَّذِي بَنَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَظَابِ -رضي الله عنه- فِي مَقْدَمِهِ (٢)، وَالصَّلَاةُ فِي هَذَا الْمُصَلَّى الَّذِي بَنَاهُ عُمَرُ لِلْمُسْلِمِينَ أَفْضَلَ مِن الصَّلَاةِ فِي سَائِرِ الْمَسْجِدِ .. وَلهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ الْأُمَّةِ إذَا دَخَلُوا الْمَسْجِدَ قَصَدُوا الصَّلَاةَ فِي الْمُصَلَّى الَّذِي بَنَاهُ عُمَرُ.
(١) أخرجه البخاري (١١٨٩)، ومسلم (٢٠٣٣).
(٢) قال الشيخ في موضع آخر: فَبَنَى -أي: عمر- هَذَا الْمُصَلَّى الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ "الْأقْصَى". (٢٧/ ١٣٦)