وآخرون من المرجئة وأهل الفجور قد يرون ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظنًّا أن ذلك من باب ترك الفتنة، وهؤلاء يقابلون لأولئك (١). الآداب الشرعية ١/ ١٥٧
٣٣١٣ - إِذَا كَانَ مِن الْمُحَرَّمَاتِ مَا لَو نَهَى عَنْهُ حَصَلَ مَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْهُ لَمْ يَنْهَ عَنْه، وَلَمْ يُبِحْهُ أيْضًا.
وَلهَذَا لَا يَجُوزُ إنْكَارُ الْمُنْكَرِ بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ؛ وَلهَذَا حُرِّمَ الْخرُوجُ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ بِالسَّيْفِ؛ لِأَجْلِ الْأمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَن الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ مِن فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَرْكِ وَاجِبٍ (٢) أَعْظَمُ مِمَّا يَحْصُلُ بِفِعْلِهِمُ الْمُنْكَرَ وَالذُّنُوبَ، وَإِذَا كَانَ قَوْمٌ عَلَى بِدْعَةٍ أَو فُجُورِ وَلَو نُهُوا عَن ذَلِكَ وَقَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَرٌّ أَعْظَمُ مِمَّا هُم عَلَيْهِ مِن ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْ مَنْعُهُم مِنْهُ وَلَمْ يَحْصُلْ بِالنَّهْيِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ: لَمْ يُنْهَوْا عَنْهُ.
بِخِلَافِ مَا أمَرَ اللهُ بِهِ الْأنْبِيَاءَ وَأَتْبَاعَهُم مِن دَعْوَةِ الْخَلْقِ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهم يَحْصُلُ بِهَا مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى مَفْسَدَتِهَا.
فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ إذَا زَادَ شَرُّهُ بِالنَّهْيِ وَكَانَ النَّهْيُ مَصْلَحَةً رَاجِحَةً: كَانَ حَسَنًا.
وَأَمَّا إذَا زَادَ شَرُّهُ وَعَظُمَ وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَتِهِ خَيْرٌ يَفُوتُهُ: لَمْ يُشْرَعْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَتِهِ مَصْلَحَةٌ زَائِدَةٌ، فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى شَرٍّ أعْظَمَ مِنْة لَمْ يُشْرَعْ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ لَا صَبْرَ لَهُ فَيُوذَى فَيَجْزَعُ جَزَعًا شَدِيدًا يَصِيرُ بِهِ مُذْنِبًا، وينْتَقِصُ بِهِ إيمَانُهُ وَدِينُهُ، فَهَذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ خَيْرٌ لَا لَهُ وَلَا لِأولَئِكَ؛ بِخِلَافِ مَا
(١) كما هو حال مرجئة الحكام في هذا الزمان، حيث يرون أنّ أي أمرٍ يخرج من الحكام- الذين يهوونهم- لا يجوز إنكازه علانيةً، ولو لم يتعرَّض الْمُنْكِرُ للحاكم، وإنما أنكر الْمُنْكَرَ فحسب، ولا يلتمسون الأعذار إلا لمن هو على منهجهم وطريقهم.
ولقد وصَف شيخ الإسلام رحمه الله تعالى حال الأمة هذا الزمان توصيفا دقيقًا وكأنه بيننا!
(٢) لعل الصواب: (الواجبات).