فَلِهَذَا يُبَدَّعُ مَن بَلَغَتْهُ أَحَادِيثُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَنَحْوِهَا إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَلَا تبَدَّع عَائِشَةُ وَنَحْوُهَا مِمَن لَمْ يَعْرِفْ بِأَنَّ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ فِي قُبُورِهِمْ.
فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فَتَدَبَّرْهُ فَإِنَّهُ نَافِعٌ (١). ٦/ ٦١
* * *
(حكم الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنْكَرِ وآدابه) (٢)
٣٣٢٢ - الْأمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَن الْمُنْكَرِ لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ؛ بَل هُوَ عَلَى الْكفَايَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَلَمَّا كَانَ الْجِهَادُ مِن تَمَامِ ذَلِكَ كَانَ الْجِهَادُ أيْضًا كَذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ مَن يَقُومُ بِوَاجِبِهِ أَثِمَ كُلُّ قَادِرٍ بِحَسَبِ قُدْرَتهِ؛ إذ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ بِحَسَبِ قُدْرَتهِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ" (٣).
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ: فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَن الْمُنْكَرِ وَإِتْمَامَهُ بِالْجِهَادِ: هُوَ مِن أَعْظَمِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي أُمِرْنَا بِهِ؛ وَلهَذَا قِيلَ: لِيَكُن أمْرُك بِالْمَعْرُوفِ (٤) وَنَهْيُك عَن الْمُنْكَرِ غَيْرَ مُنْكَرٍ.
وَإِذَا كَانَ هُوَ مِن أعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ والمستحبات فَالْوَاجِبَاتُ والمستحبات لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ فِيهَا رَاجِحَةَ عَلَى الْمَفْسَدَةِ؛ إذ بِهَذَا بُعِثَت الرُّسُلُ، وَنَزَلَت الْكُتُبُ، وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ؛ بَل كُلُّ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ فَهُوَ صَلَاحٌ.
وَقَد أَثْنَى اللهُ عَلَى الصَّلَاحِ وَالْمُصْلِحِينَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَذَمَّ الْمُفْسِدِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ.
(١) صدق رحمه الله، وما أحوجنا لهذا الأصْل العَظِيم، والقاعدة المهمة.
(٢) هذه رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد لخّصتُ أهم ما جاء فيها في هذه الفقرات.
(٣) رواه مسلم (٤٩).
(٤) لعل إضافة: (معروفًا) أنسب وأقوى في المعنى.