وَالْهَجْرُ لِأجْلِ حَظِّ الْإِنْسَانِ لَا يَجُوزُ أَكْثَرَ مِن ثَلَاثٍ .. فَإِذَا الْهَجْرُ لِحَقِّ الْإِنْسَانِ حَرَام، وَإِنَّمَا رُخِّصَ فِي بَعْضِهِ، كَمَا زخصَ لِلزَّوْجِ انْ يَهْجُرَ امْرَأَتَهُ فِي الْمَضْجَعِ إذَا نَشَزَتْ، وَكَمَا رُخِّصَ فِي هَجْرِ الثَّلَاثِ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْهَجْرِ لِحَقِّ اللهِ وَبَيْنَ الْهَجْرِ لِحَق نَفْسِهِ، فَالْأَوَّلُ مَأمُوز بِهِ وَالثَّانِي مَنْهِيٌّ عَنْهُ.
وَهَذَا لِأَنَّ الْهَجْرَ مِن بَابِ "الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ" فَهُوَ مِن جِنْسِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَهَذَا يُفْعَلُ لِأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَيكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ، وَالْمُؤمِنُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَادِيَ فِي اللهِ ويُوَالِيَ فِي اللهِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُؤْمِنٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوَالِيَهُ وَإِن ظَلَمَهُ؛ فَإنَّ الظُّلْمَ لَا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ الْإِيمَانِيَّةَ.
فَلْيَتَدَبَّر الْمُؤمِنُ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ، فَمَا أَكْثَرَ مَا يَلْتَبِسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ تَجِبُ مُوَالَاتُهُ وَإِن ظَلَمَك وَاعْتَدَى عَلَيْك، وَالْكَافِرُ تَجِحث مُعَادَاتُهُ وَإِن أَعْطَاك وَأَحْسَنَ إلَيْك (١).
وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الرَّجُلِ الْوَاحِدِ خَيْرٌ وَشَرٌّ وَفُجُورٌ وَطَاعَةٌ وَمَعْصِيَةٌ وَسُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ: اسْتَحَقَّ مِن الْمُوَالَاةِ وَالثَّوَابِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِن الْخَيْرِ، وَاسْتَحَقَّ مِن الْمُعَادَاتِ وَالْعِقَابِ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِن الشَّرّ، فَيَجْتَمِعُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مُوجِبَاتُ الْإِكْرَامِ وَالْإِهَانَةِ، فَيَجْتَمِعُ لَهُ مِن هَذَا وهذا.
٣٣٦٥ - وَسُئِلَ رحمه الله: عَن بَلَدِ "مَارِدِينَ" (٢) هَل هِيَ بَلَدُ حَرْبٍ أَمْ بَلَدُ سِلْمٍ؟ وَهَل يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُقِيمِ بِهَا الْهِجْرَةُ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟
(١) ومن الأدب مع الله تعالى ألا تُواليَ مَن عاداه وعبد غيرَه، ولا تُعادي من أحبّه ووحدّه، ولو طالك منه أذى لتأويلٍ أو معصيةِ قد يتوبُ منها.
(٢) مدينة ماردين: هي مدينة تقع جنوب شرق تركيا وهي عاصمة محافظة ماردين، وكانت من الأقاليم السورية الشمالية، لكنها ضمت إلى تركيا بموجب معاهدة لوزان عام (١٩٢٣ م) بين تركيا من جهة وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى.
ويظهر من سياق السؤال أن المسلمين فتحوها من عهد قريب من عصر ابن تيمية، وأهلها لم يدخلوا الإسلام بعدُ، فالناس على الكفر، والحكم للإسلام.