٣٣٧٠ - اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ -فِيمَا أَعْلَمُ- عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّطَوُّعَاتِ أَفْضَلُ مِن الْجِهَادِ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِن الْحَجِّ، وَأَفْضَلُ مِن الصَّوْمِ التَّطَوُّعِ، وَأَفْضَلُ مِن الصَّلَاةِ التَّطَوُّعِ.
وَالْمُرَابَطَةُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَفْضَلُ مِن الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، حَتَّى قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: لَأَنْ أُرَابِطَ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِن أَنْ أوَافِقَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأسْوَدِ.
فَقَد اخْتَارَ الرِّبَاطَ لَيْلَة عَلَى الْعِبَادَةِ فِي أَفْضَلِ اللَّيَالِي عِنْدَ أَفْضَلِ الْبِقَاعِ؛ وَلهَذَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ يُقِيمُونَ بِالْمَدِينَةِ دُونَ مَكَّةَ؛ لَمَعَانٍ مِنْهَا: أَنَّهُم كَانُوا مُرَابِطِينَ بِالْمَدِينَةِ.
فَإِنَّ الرّبَاطَ هُوَ الْمَقَامُ بِمَكَان يُخِيفُهُ الْعَدُوُّ ويُخِيفُ الْعَدُوَّ.
فَمَن أَقَامَ فِيهِ بِنِيَّةِ دَفْعِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مُرَابِطٌ، وَالْأعْمَالُ بِالنِّيَّاَتِ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِن ألْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِن الْمَنَازِل" رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحُوهُ (١).
وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِم" (٢) عَن سَلْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: "رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِن صِيَامِ شَهْرٍ وَقيَامِهِ، وَمَن مَاتَ مُرَابِطًا أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ، وَأجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ مِن الْجَنَّةِ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ"؛ يَعْني: مُنْكرًا وَنَكِيرًا.
فَهَذَا فِي الرِّبَاطِ فَكَيْفَ الْجِهَادُ؟
٣٣٧١ - وَقَالَ -قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ-: .. إِنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ (٣) الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهَا
(١) رواه البخاري (٢٨٩٢)، والترمذي (١٦٦٧)، والنسائي (٣١٦٩)، والدارمي (٢٤٦٨)، وأحمد (٤٧٠).
(٢) (١٩١٣).
(٣) أي: وقعة قازان، وَسُلْطَانُ الْبِلَادِ الشَّامِية وَالْمِصْرِيَّة وَمَا يَتْبَعُهَا مِنَ الْمَمَالِكِ حينها: هو الْمَلِكُ النَّاصِرُ مُحَمَّدُ بْنُ قَلَاوُونَ، وَنَائِبُ مِصْرَ: سَلَّارُ، وَبِالشَّامِ: جَمَالُ الدِّينِ آقُوشُ الْأفْرَمُ. =