رَجَعْتُ مِن مِصْرَ فِي جمَادَى الْآخِرَةِ، وَأَشَاعُوا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُم أَحَدٌ، ثُمَّ لَمَّا بَقِيَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ اشْتَغَلْنَا بِالِاهْتِمَامِ بِجِهَادِهِمْ، وَقَصْدَ الذَّهَابِ إلَى إخْوَانِنَا بِحَمَاة وَتَحْرِيضِ الْأمَرَاءِ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى جَاءَنَا الْخَبَرُ بانْصِرَافِ الْمُتبقّينَ مِنْهُمْ، فَكَتَبْته فِي رَجَبٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ، وَالْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ (١).
٣٣٧٢ - قَالَ الْإِمَامَانِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا: إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ فَانْظُرُوا مَاذَا عَلَيْهِ أَهْلُ الثَّغْرُ فَإِنَّ الْحَقَّ مَعَهُم؛ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} العنكبوت: ٦٩.
٣٣٧٣ - لَنْ يَخَافَ الرَّجُلُ غَيْرَ اللهِ إلَّا لِمَرَض فِي قَلْبِهِ، كَمَا ذَكَرُوا أَنَّ رَجُلًا شكَا إلَى أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ خَوْفَهُ مِن بَعْضِ الْوُلَاةِ فَقَالَ: لَو صَحَحْت لَمْ تَخَفْ أَحَدًا.
أَيْ: خَوْفُك مِن أَجْلِ زَوَالِ الصِّحَّةِ مِن قَلْبِك (٢).
وَلهَذَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ لَا يَخَافُوا حِزْبَ الشَّيْطَانِ؛ بَل لَا يَخَافُونَ غَيْرَهُ تَعَالَى فَقَالَ: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)} آل عمران: ١٧٥؛ أَيْ: يُخَوِّفُكُمْ أَوْليَاءَهُ. وَقَالَ لِعُمُومِ بَنِي إسْرَائِيلَ تَنْبِيهًا لنا: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠)} البقرة: ٤٠.
٣٣٧٤ - إنَّ الْمَنَايَا مَحْتُومَةٌ، فَكَمْ مَن حَضَرَ الصُّفُوفَ فَسَلِمَ، وَكَمْ مِمَن فَرَّ مِن الْمَنِيَّةِ فَصَادَفَتْهُ، كَمَا قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ -لَمَّا احْتُضِرَ- لَقَد حَضَرْت كَذَا وَكَذَا صَفًّا، وَإنَّ بِبَدَنِي بِضْعًا وَثَمَانِينَ مَا بَيْنَ ضَرْبَةٍ بِسَيْف، وَطَعْنَةٍ
(١) وقد شبَّه ما وقع بهم بما حصل في غزوة الأحزاب، وقارَن بينهما، وشرح الآيات ونزلها على تلك الوقْعة.
(٢) معنى العبارة: أي: خوفُك من هذا الوالي إنما كان بسبب انعدام صحة الإيمان والتوكل من قلبك.