لمصلحة الجهاد كتأخير الزكاة الواجبة على الفور لانتظار قوم أصلح من غيرهم، أو لضرر أهل الزكاة، وكتأخير الفوائت للانتقال عن مكان الشيطان ونحو ذلك، وهذا أجود ما ذكره بعض أصحابنا في تأخير النبي -صلى الله عليه وسلم- الحج إن كان وجب عليه مقدمًا.
وكلام أحمد يقتضي الغزو وإن لم يبق معه مال للحج؛ لأنه قال: فإن أعانه الله حج.
* * *
(وجوبُ الجهاد، وإعانة الناس بالنفس والمال)
٣٣٨٥ - الْأصْلُ أَنَّ إعَانَةَ النَّاسِ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَلَى الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالسُّكنَى: أَمْرٌ وَاجِبٌ، وَللْإِمَامِ أَنْ يُلْزِمَ بِذَلِكَ ويُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا؛ بَل إيجَابُ الشَّارع لِلْجِهَادِ الَّذِي فِيهِ الْمُخَاطَرَةُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ لِأَجْلِ هِدَايَةِ النَّاسِ فِي دِينِهِمْ: أبْلَغُ مِن هَذَا كُلِّهِ، فَإِذَا كَانَت الشَّجَاعَةُ الَّتِي يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهَا وَالْكَرَمُ الَّذِي يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِ وَاجِبًا فَكَيْفَ بِالْمُعَاوَضَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهَا؟
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَفْعَلُونَ هَذَا بِحكْمِ الْعَادَاتِ وَالطّبَاعِ وَطَاعَةِ السُّلْطَانِ، غَيْرَ مُسْتَشْعِرِينَ مَا فِي ذَلِكَ مِن طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَطَاعَةِ أُولي الْأَمْرِ فِيمَا أَمَرَ اللهُ بِطَاعَتِهِمْ فِيهِ.
وَلهَذَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ ظُلْمًا وَعَنَاءً، وَلَو عَلِمُوا أَنَّهُ طَاعَةٌ للهِ: احْتَسَبُوا أَجْرَهُ، وَزَالَت الْكَرَاهَةُ، وَلَو عَلِمُوا الْوُجُوبَ الشَّرْعِيَّ لَمْ يَعُدُّوهُ ظُلْمًا.
وَكَذَلِكَ إذَا احْتَاجُوا إلَى الْقِتَالِ وَالْجِهَادِ بِالنَّفْسِ وَبَذَلُوا أَمْوَالًا مِن بَيْتِ الْمَالِ أَو مِن غَيْرِهِ؛ فَإِنَّ الْجِهَادَ وَإِن كَانَ فِيهِ مُخَاطَرَةٌ بِالنَّفْسِ ويُخَافُ فِيهِ الضَّرَرُ، لَكِنَّهُ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ إذَا بُذِلَ لِلْإِنْسَانِ الْمَالُ؛ فَإِنَ مَصْلَحَةَ الدِّينِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِوُجُوبِهِ، وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُجَاهِدَ بِمَالِ نَفْسِهِ، فَإِذَا بُذِلَ لَهُ الْمَالُ كَانَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ.