وَمَن يَتَدَبَّرُ أَحْوَالَ الْعَالَم فِي هَذَا الْوَقْتِ يَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ هِيَ أَقْوَمُ الطَّوَائِفِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ: عِلْمًا وَعَمَلًا وَجِهَادًا عَن شَرْقِ الْأرْضِ وَغَرْبِهَا؛ فَإِنَّهُم هُم الَّذِينَ يُقَاتِلونَ أَهْلَ الشَّوْكَةِ الْعَظِيمَةِ مِن الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَمُغَازِيهِمْ مَعَ النَّصَارَى وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ مِن التُّرْكِ وَمَعَ الزَّنَادِقَةِ الْمُنَافِقِينَ مِن الدَّاخِلِينَ فِي الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ كالإسْماعيليَّة وَنَحْوِهِمْ مِن الْقَرَامِطَةِ مَعْرُوفَة مَعْلُومَةٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا.
وَالْعِزُّ الَّذِي لِلْمُسْلِمِينَ بِمَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا هُوَ بِعِزِّهِمْ، وَلهَذَا لَمَّا هُزمُوا سنَةَ تِسْعٍ وَتسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ دَخَلَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِن الذُّلِّ وَالْمُصِيبَةِ بِمَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللهُ.
وَالْحِكَايَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَة لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا.
وَذَلِكَ أنَّ سُكانَ الْيَمَنِ فِي هَذَا الْوَقْتِ ضِعَافٌ عَاجِزُونَ عَن الْجِهَادِ أَو مُضَيِّعُونَ لَهُ، وَهُم مُطِيعُونَ لِمَن مَلَكَ هَذِهِ الْبِلَادَ، حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُم أَرْسَلُوا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِهَؤُلَاءِ.
وَمَلِكُ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا جَاءَ إلَى حَلَبَ جَرَى بِهَا مِن الْقَتْلِ مَا جَرَى.
وَأَمَّا سُكَّانُ الْحِجَازِ فَأَكْثَرُهُم أَو كَثِيرٌ مِنْهُم خَارِجُونَ عَن الشَّرِيعَةِ، وَفِيهِمْ مِن الْبِدع وَالضَّلَالِ وَالْفُجُورِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا الله، وَأَهْلُ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ فِيهِمْ مُسْتَضْعَفُونَ عَاجِزُونَ.
وَإِنَّمَا تَكُونُ الْقُوَّةُ وَالْعِزَّةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِغَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الْبِلَادِ، فَلَو ذَلَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى- لَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْحِجَازِ مِن أذَلِّ النَّاسِ، لَا سِيَّمَا وَقَد غَلَبَ فِيهِم الرَّفْضُ، وَمُلْكُ هَؤُلَاءِ التَّتَارِ الْمُحَارِبِينَ للهِ وَرَسُولِهِ الْآنَ مَرْفُوضٌ، فَلَو غَلَبُوا لَفَسَدَ الْحِجَاز بِالْكُلِّيَّةِ.
وَأَمَّا بِلَادُ إفْرِيقِيَّةَ فَأَعْرَابُهَا غَالِبُونَ عَلَيْهَا وَهُم مِن شَرِّ الْخَلْقِ؛ بَل هُم مُسْتَحِقُّونَ لِلْجِهَادِ وَالْغَزْوِ.