بَلِ الْمَقْصُودُ مِن قِتَالِهِمْ التَّمَكُّنُ مِنْهُم لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَمَنْعهمْ مِنَ الْفَسَادِ، فَإِذَا جُرِحَ الرَّجُل مِنْهُم جُرْحًا مُثْخَنًا لَمْ يُجْهَزْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَد وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ.
وَإِذَا هَرَبَ وَكَفَانَا شَرَّهُ لَمْ نَتَّبِعْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حَدٌ أَو نَخَافُ عَاقِبَتَهُ، وَمَن أُسر مِنْهُم أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ الَّذِي يُقَائم عَلَى غَيْرِهِ.
فَأَمَّا إذَا تَحَيَّزُوا إلَى مَمْلَكَةِ طَائِفَةٍ خَارِجَةٍ عَن شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ وَأَعَانُوهُم عَلَى الْمُسْلِمِينَ قُوتِلُوا كَقِتَالِهِمْ.
وَأَمَّا مَن كَانَ لَا يَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَلَكِنَّهُ يَأخُذُ خفَارَةً أَو ضَرِيبَة مِن أَبْنَاءِ السَّبِيلِ عَلَى الرُّؤُوسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَحْمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا مكاس عَلَيْهِ عُقُوبَةُ المكاسين، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ قَتْلِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِن قُطَّاعِ الطَّرِيقِ؛ فَإِنَّ الطَّرِيقَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ، مَعَ أَنَّهُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الغامدية: "لَقَد تَابَتْ تَوْبَةً لَو تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ" (١).
وَيجُوزُ لِلْمَظْلُومِينَ -الَّذِينَ تُرَادُ أَمْوَالُهُم- قِتَالُ الْمُحَارِبِينَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُبْذَلَ لَهُم مِنَ الْمَالِ لَا قَلِيل وَلَا كَثِيرٌ إذَا أَمْكَنَ قِتَالُهُمْ.
وَهَذَا الَّذِي تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ: "الصَّائِلُ "، وَهُوَ الظَّالِمُ بِلَا تَأْوِيل وَلَا وِلَايَةٍ. فَإِذَا كَانَ مَطْلُوبُهُ الْمَالَ جَازَ دَفْعُهُ بِمَا يُمْكِنُ، فَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بالْقِتَال قوتِلَ، وَإِن تَرَكَ الْقِتَالَ وَأَعْطَاهُم شَيْئًا مِنَ الْمَالِ جَازَ.
وَأمَّا إذَا كَانَ مَطْلُوبُهُ الْحُرْمَةَ؛ مِثْل أَنْ يَطْلُبَ الزنى بِمَحَارِمِ الْإِنْسَانِ، أَو يَطْلُبَ مِنَ الْمَرْأَةِ أَو الصَّبِيِّ الْمَمْلُوكِ أَو غَيْرِهِ الْفُجُورَ بِهِ: فَإِنَّه يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ عَن نَفْسِهِ بِمَا يُمْكِنُ وَلَو بِالْقِتَالِ، وَلَا يَجُوزُ التَّمْكِينُ مِنْهُ بِحَال، بِخِلَافِ
(١) رواه مسلم (١٦٩٥).