الْحَجِّ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَلْتَزِمُونَ الْحُكْمَ بَيْنَهُم بِحُكْمِ اللهِ؛ بَل يَحْكُمُونَ بِأَوْضَاعِ لَهُم تُوَافِق الْإِسْلَامَ تَارَةً وَتُخَالِفُهُ أُخْرَى.
وَقِتَالُ هَذَا الضَّرْبِ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ مَن عَرَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ وَعَرَفَ حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ.
نَعَمْ، يَجِبُ أَنْ يُسْلَكَ فِي قِتَالِهِ الْمَسْلَكَ الشَّرْعِيَّ مِن دُعَائِهِمْ إلَى الْتِزَامِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ إنْ لَمْ تَكُن الدَّعْوَةُ إلَى الشَّرَائِعِ قَد بَلَغَتْهُمْ، كَمَا كَانَ الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ يُدْعَى أَوَّلًا إلَى الشَّهَادَتَيْنِ إنْ لَمْ تكُن الدَّعْوَةُ قَد بَلَغَتْهُ.
فَإِنَّ اتَّفَقَ مَن يُقَاتِلُهُم عَلَى الْوَجْهِ الْكَامِلِ: فَهُوَ الْغَايَةُ فِي رِضْوَانِ اللهِ وَإِعْزَازِ كَلِمَتِهِ، وَإِقَامَةِ دِينهِ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ.
وَإِن كَانَ فِيهِمْ (١) مَن فِيهِ فُجُورٌ وَفَسَادُ نِيَّةٍ، بأَنْ يَكُونَ يُقَاتِلُ عَلَى الرِّيَاسَةِ، أَو يَتَعَدَّى عَلَيْهِم فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، وَكَانَت مَفْسَدَةُ تَرْكِ قِتَالِهِمْ أَعْظَمَ عَلَى الدِّينِ مِن مَفْسَدَةِ قِتَالِهِمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: كَانَ الْوَاجِبُ أَيْضًا قِتَالَهُم دَفْعًا لِأَعْظَمِ الْمُفْسِدَتَيْنِ بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا؛ فَإِنَّ هَذَا مِن أُصُولِ الْإِسْلَامِ الَّتِي يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهَا (٢).
وَلهَذَا كَانَ مِن أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْغَزْوُ مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ؛ فَإِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ وَبِأَقْوَام لَا خَلَاقَ لَهُم، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَّفِق الْغَزْوُ إلا مَعَ الْأُمَرَاءِ الْفُجَّارِ أَو مَعَ عَسْكَرٍ كَثِيرِ الْفُجُورِ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِن أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
أ- إمَّا تَرْكُ الْغَزْوِ مَعَهُمْ، فَيَلْزَمُ مِن ذَلِكَ اسْتِيلَاءُ الْآخَرِينَ الَّذِينَ هُم أَعْظَمُ ضَرَرًا فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
(١) أي: في الذي يُقَاتِلُهُمْ.
(٢) انظر إلى هذا الفقه العظيم، وبهذا تعرف ضلال الخوارج في كل زمان ومكان والله المستعان.