وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الثَّانِيَةُ: فَيشفعُ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ.
وَهَاتَانِ الشَّفَاعَتَانِ خَاصَّتَانِ لَهُ.
وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الثَّالِثَةُ: فَيشفعُ فِيمَن اسْتَحَقَّ النَّارَ.
وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ لَهُ وَلسَائِرِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَغَيْرِهِمْ، فَيشفعُ فِيمَن اسْتَحَقَّ النَّارَ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا، ويشفعُ فِيمَن دَخَلَهَا أنْ يَخْرُجَ مِنْهَا.
وَتُؤمِنُ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ -أَهْلُ السُّنَّة وَالْجَمَاعَةِ- بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.
وَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ كُلُّ دَرَجَةٍ تَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ:
فَالدَّرَجَةُ الْأُولَى: الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلِمَ مَا الْخَلْق عَامِلُونَ بِعِلْمِهِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ أَزَلًا، وَعَلِمَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِمْ مِن الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي وَالْأرْزَاقِ وَالْآجَالِ، ثُمَّ كَتَبَ اللهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ .. كَمَا قَالَ -سبحانه وتعالي-: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧٠)} الحج: ٧٠.
فَهَذَا الْقَدَرُ قَد كَانَ يُنْكِرُهُ غُلَاةُ الْقَدَرِيَّةِ قَدِيمًا، وَمُنْكِرُهُ الْيَوْمَ قَلِيلٌ.
وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: فَهُوَ مَشِيئَةُ اللهِ النَّافِذَةُ، وَقُدْرَتُهُ الشَّامِلَةُ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِن حَرَكَةٍ وَلَا سُكُونٍ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، لَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ إلَّا مَا يُرِيدُ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى كُلِّ شَئِءٍ قَدِيرٌ مِن الْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ.
وَالْعِبَادُ فَاعِلُونَ حَقِيقَةً وَاللهُ خَالِقُ أَفْعَالِهِمْ.
وَللْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَلَهُم إرَادَةٌ، وَاللهُ خَالِقُهُم وَخَالِقُ قُدْرَتهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)} التكوير: ٢٨، ٢٩.