وَالْجَبَلَ، فِي كَثْرَةٍ وَقُوَّةٍ وَعدَّةٍ وَإِيمَانٍ وَصِدْقٍ، قَد بَهَرَت الْعُقُولَ وَالْألْبَابَ، مَحْفُوفَةٌ بِمَلَائِكَةِ اللهِ الَّتِي مَا زَالَ يُمدُّ بِهَا الْأُمَّةَ الْحَنِيفِيَّةَ الْمُخْلِصَةَ لِبَارِئِهَا، فَانْهَزَمَ الْعَدُوُّ بَيْنَ أَيْدِيهَا وَلَمْ يَقِفْ لِمُقَابَلَتِهَا.
ثُمَّ أَقْبَلَ الْعَدُوُّ ثَانِيًا فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ مِن الْعَذَابِ مَا أَهْلَكَ النُّفُوسَ وَالْخَيْلَ، وَانْصَرَفَ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ، وَصَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهُوَ الْآنُ فِي الْبَلَاءِ الشَّدِيدِ، والتعكيس الْعَظِيمِ، وَالْبَلَاءِ الَّذِي أَحَاطَ بِهِ.
وَالْإسْلَامُ فِي عِزَّ مُتَزَايدٍ، وَخَيْرٍ مُتَرَافِدٍ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَد قَالَ: "إنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فِي رَأْسِ كُلَّ مِائَةِ سَنَةٍ مَن يُجَدِّدُ لَهَا أَمْرَ دِينِهَا" (١).
وَهَذَا الدِّينُ فِي إقْبَالٍ وَتَجْدِيدٍ، وَأَنَا نَاصِحٌ لِلْمَلِكِ وَأَصْحَابِهِ وَاللهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالْفُرْقَانَ.
فَيَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، كَيْفَ تَسْتَحِلُّ سَفْكَ الدِّمَاءِ وَسَبْيَ الْحَرِيمِ وَأَخْذَ الْأَمْوَالِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ مِنَ اللهِ وَرُسُلِهِ؟
ثُمَّ أَمَا يَعْلَمُ الْمَلِكُ أَنَّ بِدِيَارِنَا مِنَ النَّصَارَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْأَمَانِ مَا لَا يُحْصِي عَدَدَهُم إلَّا اللهُ وَمُعَامَلَتُنَا فِيهِمْ مَعْرُوفَةٌ، فَكَيْفَ يُعَامِلُونَ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي لَا يَرْضَا بهَا ذُو مُرُوءَةٍ وَلَا ذُو دِينٍ، لَسْت أَقُولُ عَن الْمَلِكِ وَأَهْلِ بَيْته وَلَا إخْوَتِهِ، فَإِنًّ أَبَا الْعَبَّاسِ شَاكِرٌ لِلْمَلِكِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ كَثِيرًا مُعْتَرِفًا بِمَا فَعَلُوهُ مَعَهُ مِن الْخَيْرِ، وَإِنَّمَا أَقُولُ عَن عُمُومِ الرَّعِيَّةِ، أَلَيْسَ الْأَسْرَى فِي رَعِيَّةِ الْمَلِكِ؟ أَلَيْسَتْ عُهُودُ الْمَسِيحِ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ تُوَصِّي بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ؟ فَأَيْنَ ذَلِكَ؟
ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْهُم إنَّمَا أُخِذُوا غَدْرًا وَالْغَدْرُ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ وَالشَّرَائِعِ وَالسِّيَاسَاتِ.
(١) رواه أبو داود (٤٢٩١).