وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ تَلَقِّي السِّلَعِ؛ فَإنَّ الْقَادِمَ جَاهِلٌ بِالسِّعْرِ؛ وَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لَبَادٍ وَقَالَ: "دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللهُ بَعْضَهُم مِن بَعْضٍ" (١).
وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَوْلُهُ: "لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لَبَادٍ"؟
قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارٌ.
وَهَذَا نَهْيٌ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِن ضَرَرِ الْمُشْتَرِينَ؛ فَإِنَّ الْمُقِيمَ إذَا تَوَكَّلَ لِلْقَادِمِ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهَا، وَالْقَادِمُ لَا يَعْرِفُ السِّعْرَ ضَرَّ ذَلِكَ الْمُشْتَرِيَ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللهُ بَعْضَهُم مِن بَعْضٍ".
٣٤٨٩ - رَوَى مُسْلِمٌ (٢) فِي "صَحِيحِهِ" عَن مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطئٌ"، فَإِنَّ الْمُحْتَكِرَ هُوَ الَّذِي يَعْمَدُ إلَى شِرَاءِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ مِن الطَّعَامِ فَيَحْبِسُهُ عَنْهُم وَيُرِيدُ إغْلَاءَهُ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ ظَالِمٌ لِلْخَلْقِ الْمُشْتَرِينَ، وَلِهَذَا كَانَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُكْرِهَ النَّاسَ عَلَى بَيْعِ مَا عِنْدَهُم بِقِيمَةِ الْمِثْل عِنْدَ ضَرُورَةِ النَّاسِ إلَيْهِ.
وَمِن هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ السِّعْرَ:
أ - مِنْهُ مَا هُوَ ظُلْمٌ لَا يَجُوزُ.
ب - وَمِنْهُ مَا هُوَ عَدْلٌ جَائِزٌ.
فَإِذَا كَانَ النَّاسُ يَبِيعُونَ سِلَعَهُم عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ مِن غَيْرِ ظُلْمٍ مِنْهُمْ، وَقَد ارْتَفَعَ السِّعْرُ: إمَّا لِقِلَّةِ الشَّيءِ، وَإِمَّا لِكَثْرَةِ الْخَلْقِ: فَهَذَا إلَى اللهِ، فَإِلْزَامُ الْخَلْقِ أَنْ يَبِيعُوا بِقِيمَةٍ بِعَيْنِهَا إكْرَاهٌ بِغَيْرِ حَقّ.
وَأمَّا الثَّانِي: فَمِثْلُ أَنْ يَمْتَنِعَ أَرْبَابُ السِّلَعِ مِن بَيْعِهَا مَعَ ضَرُورَةِ النَّاسِ إلَيْهَا إلَّا بِزِيَادَة عَلَى الْقِيمَةِ الْمَعْرُوفَةِ، فَهُنَا يَجِبُ عَلَيْهِم بَيْعُهَا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّسْعِيرِ إلَّا إلْزَامَهُم بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، فَيَجِبُ أَنْ يَلْتَرِمُوا بِمَا أَلْزَمَهُم اللهُ بِهِ.
(١) رواه مسلم (١٥٢٢).
(٢) (١٦٠٥).