فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ: فَكُلُّ شَرْطٍ كَذَلِكَ.
وَإِن أَرَادَ الثَّانِيَ: لَمْ يُسلَّمْ لَهُ، وإِنَّمَا الْمَحْذُورُ: أَنْ يُنَافِيَ مَقْصُودَ الْعَقْدِ؛ كَاشْتِرَاطِ الطَّلَاقِ فِي النّكَاحِ، أَو اشْتِرَاطِ الْفَسْخِ فِي الْعَقْدِ.
فَأَمَّا إذَا شَرَطَ مَا يُقْصَدُ بِالْعَقْدِ: لَمْ يُنَافِ مَقْصُودَهُ.
هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ: بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالِاعْتِبَارِ مَعَ الِاسْتِصْحَابِ وَعَدَمِ الدَّليلِ الْمُنَافِي.
فَقَد جَاءَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بِالْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُقُودِ وَبِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَرِعَايَةِ ذَلِكَ، وَالنَّهْيِ عَن الْغَدْرِ وَنَقْضِ الْعُهُودِ وَالْخِيَانَةِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ.
وَإِذَا كَانَ جِنْسُ الْوَفَاءِ وَرِعَايَةُ الْعَهْدِ مَأْمُورًا بِهِ: عُلِمَ أَنَّ الْأَصْلَ صِحَّةُ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ؛ إذ لَا مَعْنَى لِلتَّصْحِيحِ إلَّا مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ اثَرُهُ وَحَصَلَ بِهِ مَقْصُودُهُ.
وَمَقْصُودُ الْعَقْدِ: هُوَ الْوَفَاءُ بِهِ، فَإِذَا كَانَ الشَّارعُ قَد أَمَرَ بِمَقْصُودِ الْعُهُودِ دَلَّ عَلَى أنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الصِّحَّةُ وَالْإبَاحَةُ.
وَقَد رَوَى التِّرْمِذِيُّ (١) وَالْبَزَّارُ مِن حَدِيثِ كثيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المزني عَن أبِيهِ عَن جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَو أَحَلَّ حَرَامًا، وَالْمُسْلِمُونَ علَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَو أَحَلَّ حَرَامًا" قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيث حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَه مِنْهُ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ؛ لَكِنَّ كثيرَ بْنَ عَمْرٍو ضَعَّفَهُ الْجَمَاعَةُ، وَضَرَبَ أحْمَد عَلَى حَدِيثهِ فِي "الْمُسْنَدِ" فَلَمْ يُحَدّثْ بِهِ.
فَلَعَلَّ تَصْحِيحَ الترْمِذِيِّ لَهُ لِرِوَايَتهِ مِن وُجُوهٍ.
(١) (١٣٥٢).