جَاءَ بِحَرْف وَاحِدٍ عَن أَحَدٍ مِن الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَثْنَى عَلَيْهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-. يُخَالِفُ مَا ذَكَرْته: فَأنَا أَرْجِعُ عَن ذَلِكَ. ٣/ ١٦٩
٢٨٣ - الْإَمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَه الله لِمَا انْتَهَى إلَيْهِ مِن السُّنَّةِ وَنُصُوصِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَكْثَرُ مِمَّا انْتَهَى إلَى غَيْرِهِ وَابْتُلِيَ بِالْمِحْنَةِ وَالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْبِدَع أَكْثَرَ مِن غَيْرِهِ: كَانَ كَلَامُهُ وَعِلْمُهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَكْثَرَ مَن غَيْرِهِ، فَصَارَ إمَامًا فِي السُّنَّةِ أَظْهَرَ مِن غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِ الْمَغَارِبَةِ -الْعُلَمَاءِ الصُّلَحَاءِ-: الْمَذْهَبُ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَالظُّهُورُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
يَعْنِي: أَنَّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَإِن كَانَ لِبَعْضِهِمْ مِن زِيادَةِ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ وَإِظْهَارِ الْحَق وَدَفْعِ الْبَاطِلِ مَا لَيْسَ لِبَعْض. ٣/ ١٧٠
٢٨٤ - لَمَّا جَاءَت مَسْأَلَةُ الْقُرْآنِ: "وَمِن الْإِيمَانِ بِهِ الْإِيمَانُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللهِ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ": نَازَعَ بَعْضُهُم فِي كَوْنِهِ "مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ"، وَطَلَبُوا تَفْسِيرَ ذَلِكَ.
فَقُلْت: أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ: فَهُوَ الْمَأْثُورُ الثَّابِتُ عَن السَّلَفِ؛ مِثْلُ مَا نَقَلَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: "أَدْرَكْت النَّاسَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَقُولُونَ: اللهُ الْخَالِقُ وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ، إلَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ كَلَامُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ".
وَقَد جَمَعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مَا فِي ذَلِكَ مِن الْآثَارِ عَن النَّبِيِّ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؛ كَالْحَافِظِ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ نَاصِرٍ، وَالْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللهِ المقدسي.
وَأَمَّا مَعْنَاهُ: فَإِنَّ قَوْلَهُم: مِنْهُ بَدَأَ؛ أَيْ: هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَهُ مِن لَدُنْهُ، لَيْسَ هُوَ كَمَا تَقُولُ الْجَهْمِيَّة: أَنَّهُ خُلِقَ فِي الْهَوَى، أَو غَيْرِهِ، أَو بَدَأَ مِن عِنْدِ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا إلَيْهِ يَعُودُ: فَإِنَّهُ يَسْرِي بِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِن الْمَصَاحِفِ وَالصُّدُورِ،