اللَّبَنِ، وَإِن كَانَ قَد نُهِي عَن بَيْعِ الْحَمْلِ مُفْرَدًا، وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.
وَكَذَلِكَ بَيْعُ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُسْتَحقٌّ الْإِبْقَاءَ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ؛ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد، وَإِن كَانَت الْأَجْزَاءُ الَّتِي يَكْمُلُ الصَّلَاحُ بِهَا لَمْ تُخْلَقْ بَعْدُ.
وَجَوَّزَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذَا بَاعَ نَخْلًا قَد أُبِّرَتْ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ثَمَرَتَهَا؛ فَيَكُونُ قَد اشْتَرَى ثَمَرَةً قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، لَكِنْ على وَجْهِ الْبَيْعِ لِلْأَصْلِ.
فَظَهَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنَ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ ضِمْنًا وَتَبَعًا مَا لَا يَجُوزُ مِن غَيْرِهِ.
وَلَمَّا احْتَاجَ النَّاسُ إلَى الْعَرَايَا أَرْخَصَ فِي بَيْعِهَا بِالْخَرْصِ، وَلَمْ يُجَوِّزْ الْمُفَاضَلَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ. ٢٩/ ٢٢ - ٢٦
٣٥٨٩ - أَمَّا الْغَرَرُ: فَأَشَدُّ النَّاسِ فِيهِ قَوْلًا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ -رضي الله عنهما-، أَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَإِنَّهُ يُدْخِلُ فِي هَذَا الِاسْمِ مِن الْأَنْوَاعِ مَا لَا يُدْخِلُهُ غَيْرُهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ؛ مِثْل الْحَبَّ وَالثَّمَرِ فِي قِشْرِهِ الَّذِي لَيْسَ بِصَوَّان؛ كَالْبَاقِلَاءِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرِهِ الْأَخْضَرِ وَكَالْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ الْجَدِيدَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَأَمَّا مَالِكٌ: فَمَذْهَبُهُ أَحْسَنُ الْمَذَاهِبِ فِي هَذَا، فَيُجَوِّزُ بَيْعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَجَمِيعَ مَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ، أَو يَقِلّ غَرَرُهُ بِحَيْثُ يُحْتَمَلُ فِي الْعُقُودِ، حَتَّى يُجَوِّزَ بَيْعَ المقاثي جُمْلَةً، وَبَيْعَ الْمغَيَّبَاتِ فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَحْمَد قَرِيبٌ مِنْهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَيُجَوّزُ -عَلَى الْمَنْصوصِ عَنْهُ- أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ عَبْدًا مُطْلَقًا، أَو عَبْدًا مِن عَبِيدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَزِيدُ جَهَالَتُهُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (١). ٢٩/ ٣١ - ٣٣
(١) قال العلَّامة محمد رشيد رضا في قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}: تَوَسَّعَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفَاظِ الْقَلِيلَةِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَأَدْخَلُوا فِي مَعْنَى الرَّبَا وَالْغَرَرِ مَا لَا تُطِيقُهُ النُّصُوصُ مِنَ التَّشْدِيدِ، وَدَعَّمُوا تَشْدَيدَاتِهِمْ بِرِوَايَاتٍ لَا تَصِحُّ، وَأَشَدُّهُمْ تَضْيِيقًا =