فَأَجَابَ: الْمَقْصُودُ بِهَذَا وَأَمْثَاله أَنْ يُعْطِيَهُ الْمَالَ وَيَسْتَغِلَّ الْعَقَارَ عَن مَنْفَعَةِ الْمَالِ، فَمَا دَامَ الْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْآخِذِ فَإِنَّهُ يَسْتَغِلُّ الْعَقَارَ، وَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ الْمَالَ أَخَذَ الْعَقَارَ، وَهَذَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِن قَصَدَا ذَلِكَ وَأَظْهَرَا صُورَةَ بَيْعٍ: لَمْ يَجُزْ عَلَى أَصَحّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا.
وَمَن صَحَّحَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ شَرْعِيًّا.
فَإِذَا شَرَطَ أَنَّهُ إذَا جَاءَ بِالثَّمَنِ أَعَادَ إلَيْهِ الْعَقَارَ: كَانَ هَذَا بَيْعًا بَاطِلًا، وَالشَّرْطُ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْعَقْدِ كَالْمُقَارِنِ لَهُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ.
وَحِينَئِذٍ: فَمَا حَصَلَ لِلْمَرْأَةِ مِن الْأُجْرَةِ بَعْدَ أَنْ عَلِمَت التَّحْرِيمَ تَحْسِبُهُ مِن رَأْسِ الْمَالِ.
وَمَا قَبَضَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ: فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكورِ.
وَإِن اصْطَلَحَا عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ أَحْسَنُ.
وَمَا قَبَضَتْهُ بِعَقْدٍ مُخْتَلَفٍ تَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا رَدُّهُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ (١). ٢٩/ ٣٩٥ - ٣٩٦
وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صحِيحٌ.
(١) فالعقد هذا باطل على رأي الشيخ وغيره، ويجب أنْ ترد ما اشترته، ولكن لَمَّا كانت اعتقدت صحته، وهذا العقد فيه خلاف بين العلماء: صح عقدها ونفذ حكمه.
وتحريم هذه المعاملة ظاهرٌ جدًّا، فهو في الحقيقة فرضٌ جرّ نفعًا، ويدل عليه هذا السؤال الموجه للشيخ، حيث سُئل عَن رَجُلٍ عنده مزرعةٌ فيها عنب، فطَلَبَ مِن آخر أَنْ يُقْرِضَهُ دَرَاهِمَ، فَامْتَنَعَ إلَّا أَنْ يَبِيعَة الْعنب بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأنَّهُ إذَا جَاءَ بِالدَّرَاهِمِ أَعَادَ إلَيْهِ الْعنب، فَبَاعَهُ الْعنب بِهَذَا الشَّرْطِ، وَلَمْ يَذْكُر الشَّرْطَ فِي الْعَقَّدِ.
فَأَجَابَ: لَيْسَ هَذَا بَيْعًا لَازِمًا، بَل عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ كَرْمَهُ (أي: عنبه) إذَا أَعْطَاهُ دَرَاهِمَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمْكُرَ بِهِ. (٢٩/ ٣٩٦)