اخْتَلَفَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ مَسْأَلَةُ الْكَلَامِ، وَسُمّيَ الْمُتَكَلِّمُونَ مُتَكَلِّمِينَ لِأَجْلِ تَكَلُّمِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ أَوَّلُ مَن قَالَهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، ثُمَّ خَلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَطَاءُ بْنُ وَاصِلٍ.
هَكَذَا قَالَ وَذَكَرَ نَحْوًا مِن هَذَا.
فَغَضِبْت عَلَيْهِ وَقُلْت: أَخْطَأْت، وَهَذَا كَذِبٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَقُلْت لَهُ: لَا أَدَبَ وَلَا فَضِيلَةَ، لَا تَأَدَّبْت مَعِي فِي الْخِطَابِ، وَلَا أَصَبْت فِي الْجَوَابِ (١).
ثُمَّ قُلْت: النَّاسُ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ فِي خِلَافَةِ الْمَأْمُونِ وَبَعْدَهَا فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَد كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ فِي زَمَنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، بَعْدَ مَوْتِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَكُن أُولَئِكَ قَد تَكَلَّمُوا فِي مَسْألَةِ الْكَلَامِ، وَلَا تَنَازَعُوا فِيهَا.
وَإِنَّمَا أَوَّلُ بِدْعَتِهِمْ تَكَلُّمُهُم فِي مَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَالْوَعِيدِ.
فَقَالَ: هَذَا ذَكَرَهُ الشِّهْرِسْتَانِيّ فِي كِتَابِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ.
فَقُلْت: الشِّهْرِسْتَانِيّ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي اسْمِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِمَ سُمُّوا مُتَكَلِّمِينَ؟ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي اسْمِ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَالْأَمِيرُ إنَّمَا سَأَلَ عَن اسْمِ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَأَنْكَرَ الْحَاضِرُونَ عَلَيْهِ، وَقَالُوا: غَلِطْت.
وَقُلْت فِي ضِمْنِ كَلَامِي: أَنَا أَعْلَمُ كُلَّ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَوَّلُ مَن ابْتَدَعَهَا، وَمَا كَانَ سَبَب ابْتِدَاعِهَا (٢).
وَأَيْضًا: فَمَا ذَكَرَهُ الشِّهْرِسْتَانِيّ لَيْسَ بِصَحِيح فِي اسْم الْمُتَكَلِّمِينَ؛ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ كَانُوا يُسَمَّوْنَ بِهَذَا الِاسْمِ قَبْلَ مُنَازَعَتِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ عَن وَاصِلِ بْنِ عَطَاءٍ: إنَّهُ مُتَكَلِّمٌ وَيصِفُونَهُ بِالْكَلَامِ، وَلَمْ يَكُن النَّاسُ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ.
(١) الشيخ يقسو عندما يقل أدب المخاطب معه ويكذب عليه، وانظر ثقته بما ينقله ويتكلم به.
(٢) هذا من سعة اطلاعه وإحاطته بمذاهب الفرق والأديان.