وَذَلِكَ لِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} التغابن: ١٦.
وَالْمَالُ الَّذِي لَا نَعْرِفُ مَالِكَهُ يَسْقُطُ عَنَّا وُجُوبُ رَدِّهِ إلَيْهِ، فَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَالصَّدَقَةُ مِن أَعْظَمِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
وَهَذَا أَصْلٌ عَامٌ فِي كُلِّ مَالٍ جُهِلَ مَالِكُهُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ رَدُّهُ إلَيْهِ؛ كَالْمَغْصُوبِ وَالْعَوَارِي وَالْوَدَائِعِ تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ.
وَإِذَا صُرِفَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَازَ لِلْفَقِيرِ أَخْذُهَا؛ لِأنَّ الْمُعْطِيَ هُنَا إنَّمَا يُعْطِيهَا نِيَابَةً عَن صَاحِبِهَا.
بِخِلَافِ مَن تَصَدَّقَ مِن غُلُولٍ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ" (١).
فَهَذَا الَّذِي يَحُوزُ الْمَالَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ، أَو يَتَصَدَّقُ صَدَقَةَ مُتَقَرِّبٍ كَمَا يَتَصَدَّقُ بِمَالِهِ: فَاللهُ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ.
وَأَمَّا ذَاكَ فَإِنَّمَا يَتَصَدَّقُ بِهِ صَدَقَةَ مُتَحَرِّجٍ مُتَأَثِّمٍ، فَكَانَت صَدَقَتُهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ إلَى أَصْحَابِهَا، وَبِمَنْزِلَةِ إعْطَاءِ الْمَالِ لِلْوَكِيلِ الْمُسْتَحِقِّ، لَيْسَ هُوَ مِن الصَّدَقَةِ الدَّاخِلَةِ فِي قَوْلِهِ: "ولا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ". ٢٩/ ٢٦٢ - ٢٦٣، ٣٠/ ٤١٣
* * *
(شرح ومعنى حديث: "ابْتَاعِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُم الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَن أَعْتَقَ")
٣٦١١ - فَصْلٌ: فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَائِشَةَ: "ابْتَاعِيهَا وَاشْتَرِطي لَهُم الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَن أَعْتَقَ" (٢): فَإِنَّ هَذَا أَشْكَلَ عَلَى كثِيرٍ مِن النَّاسِ.
(١) رواه مسلم (٢٢٤).
(٢) رواه البخاري (٢١٦٨)، ومسلم (١٥٠٤).