فَيُقَالُ: اشْتَرَيْته بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ.
وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يُبَاعُ إلا بِقَدْرِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:"لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْل، وَلَا تَبِيعُوا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلِ، وَلَا تَبِيعُوا الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلِ، وَلَا تَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلِ، وَلَا تَبِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلِ، وَلَا تَبِيعُوا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْل" (١).
وَنَهَى - صلى الله عليه وسلم - عَن بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِن الطَّعَامِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِالطَّعَامِ الْمُسَمَّى.
فَإِذَا بيعَتْ هَذِهِ الْأَمْوَالُ بِمِثْلِهَا جُزَافًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَن بَيْعِهَا إلًّا مُتَمَاثِلَةً، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ التَّمَاثُلُ لَمْ يَجُز الْبَيْعُ، وَلهَذَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: الْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، وَالتَّمَاثُلُ يُعْلَمُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ.
وَأَمَّا الْخَرْصُ: فَهُوَ ظَنٌّ وَحُسْبَانٌ، يُقَدَّرُ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، فَأَمَّا مَعَ إمْكَانِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَلَا.
فَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَن الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ؛ لِأَنَّهُم يَحْزِرُونَ مِن غَيْرِ حَاجَةٍ، وَأَبَاحَ ذَلِكَ فِي الْعَرَايَا لِأَجْلِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْتَاجُ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ خَرْصًا؛ لِأَجْلِ حَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ، وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ فِي الْقَلِيلِ الَّذِي تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ، وَهُوَ مَا دُونُ النِّصَابِ، وَهُوَ مَا دُونُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِحَاجَةِ الْبَائِعِ إلَى الْبَيْعِ.
وَلَفْظُ "الْعَرَايَا" مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ النَّخَلَاتُ الَّتِي يُعِيرُهَا الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ؛ أَيْ: يُعْطِيهِ إيَّاهَا لِيَأكُلَ ثَمَرَهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا إلَيْهِ.
وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لِلْمَاشِيَةِ: "الْمَنِيحَةِ"؛ مِثْلُ أَنْ يُعْطِيَهُ النَّاقَةَ أَو الشَّاةَ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا إلَيْهِ.
(١) رواه مسلم بنحوه (١٥٨٧).