الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ" (١)، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحَبِّ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ وَإِن كَانَ فِي سنْبُلِهِ.
وَأَمَّا بَيْعُ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَاللِّفْتِ وَالْقُلْقَاسِ: فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَعْرُوفِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ فَإِنَّ أَهْلَ الْخِبْرَةِ إذَا رَأَوْا مَا ظَهَرَ مِنْهَا مِن الْوَرَقِ وَغَيْرِهِ دَلَّهُم ذَلِكَ عَلَى سَائِرِهَا. ٢٩/ ٢٢٥ - ٢٢٧
٣٦٥٦ - بَيْعُ الْمَغْرُوسِ فِي الْأَرْضِ الَّذِي يَظْهَرُ وَرَقُهُ كَاللِّفْتِ وَالْجَزَرِ وَالْقُلْقَاسِ وَالْفُجْلِ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَشِبْهِ ذَلِكَ: فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَن أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ بَيْعَ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ لِوُجُوه:
مِنْهَا: أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِن الْغَرَرِ؛ بَل أَهْلُ الْخِبْرَةِ يَسْتَدِلُّونَ بِمَا يَظْهَرُ مِن الْوَرِقِ عَلَى الْمُغَيَّبِ فِي الْأَرْضِ.
وَالثَّانِي: أنَّ الْعِلْمَ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ يُشْتَرَطُ فِي كُل شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَمَا ظَهَرَ بَعْضُهُ وَخَفِيَ بَعْضُهُ وَكَانَ فِي إظْهَارِ بَاطِنِهِ مَشَقَّةٌ وَحَرَجٌ: اُكْتُفِيَ بِظَاهِرِهِ؛ كَالْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤَيةُ أَسَاسِهِ وَدَوَاخِلُ الْحِيطَانِ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَكَذَلِكَ أَمْثَالُ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَا اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِهِ فَإِنَّهُ يُوَسَّعُ فِيهِ مَا لَا يُوَسَّعُ فِي غَيْرِهِ، فَيُبِيحُهُ الشَّارعُ لِلْحَاجَةِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْخَاصِّ، كَمَا أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا، وَأَقَامَ الْخَرْصَ مَقَامَ الْكَيْلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ مِن الْمُزَابَنَةِ
(١) رواه أبو داود (٣٣٧١)، والترمذي (١٢٢٨)، وابن ماجه (٢٢١٧)، وأحمد (١٣٣١٤).