وَيُحِبُّونَهُ} المائدة:٥٤ (١).
وَهَؤُلَاءِ هُم الشَّاكِرُونَ لِنِعْمَةِ الْإِيمَانِ، الصَّابِرُونَ عَلَى الِامْتِحَانِ.
فَإِذَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ: كَانَ جَمِيعُ مَا يَقْضِي اللهُ لَهُ مِن الْقَضَاءِ خَيْرًا لَهُ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-:"لَا يَقْضِي اللهُ لِلْمُؤْمِنِ مِن قَضَاءٍ إلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ" (٢). ٣/ ٢١٣
٢٩٢ - هَذِهِ "الْقَضِيَّةُ" لَيْسَ الْحَقُّ فِيهَا لِي؛ بَل للهِ وَلرَسُولِهِ وَللْمُؤْمِنِينَ مِن شَرْقِ الْأَرْضِ إلَى مَغْرِبِهَا، وَأَنَا لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُبَدِّلَ الدِّينَ وَلَا أُنَكِّسَ رَايَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا أرْتَدَّ عَن دِينِ الْإِسْلَامِ لِأَجْلِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ.
نَعَمْ، يُمْكِنُنِي أَنْ لَا أَنْتَصِرَ لِنَفْسِي، وَلَا أُجَازِيَ مَن أَسَاءَ إلَيَّ وَافْتَرَى عَلَيَّ، وَلَا أطْلُبُ حَظِّي، وَلَا أَقْصِدُ إيذَاءَ أَحَدٍ بِحَقِّي، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْذُولٌ مِنِّي وَللَّهِ الْحَمْدُ، وَنَفْسِي طَيِّبَةَ بِذَلِكَ (٣). ٣/ ٢١٤ - ٢١٥
٢٩٣ - أَنَا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَخَافُ؟ إنْ قُتِلْت كُنْت مِن أَفْضَلِ الشُّهَدَاءِ، وَكَانَ عَلَيَّ الرَّحْمَةُ وَالرِّضْوَانُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَانَ عَلَى مَن قَتَلَنِي اللَّعْنَةُ الدَّائِمَةُ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ.
لِيَعْلَمَ كُلُّ مَن يُؤْمِنُ باللهِ وَرَسُولِهِ أَنِّي إنْ قُتِلْت: لِأَجْلِ دِينِ اللهِ.
وَإِن حُبِسْت: فَالْحَبْسُ فِي حَقِّي مِن أعْظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَيَّ.
ووالله مَا أُطِيقُ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيَّ فِي هَذَا الْحَبْسِ، وَلَيْسَ لِي مَا أَخَافُ النَّاسَ عَلَيْهِ، لَا أَقْطَاعِي، وَلَا مَدْرَسَتِي، وَلَا مَالِي، وَلَا رِياسَتِي، وَجَاهِي.
(١) وقد انتشر المرتدون والمنافقون انتشارًا عظيمًا، فهل أنت ممن أحبهم الله تعالى فجاء بهم لنصرة دينِه، ومُحاربة أعدائه بما تستطيعه؟ نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.
(٢) رواه أحمد (١٢١٦٠).
(٣) وقد صدق رحمه الله تعالى، فلم يتكلم أثناء كتابة هذه الرسالة وهو محبوس على أعدائه الذين سعوا في سجنه، ودبروا المكايد لإلحاق الضرر به.