وَالْكَسْبُ لِعِيَالِهِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْوَاجِبِ الْمُتَعَيِّنِ لِغَيْرِ مُتَعَيَّنٍ، وَاعْتَقَدَ مَعَ ذَلِكَ جَوَازَ التَّعْلِيمِ بِالْأُجْرَةِ مَعَ الْحَاجَةِ أَو مُطْلَقًا: فَهَذَا مُتَأَوِّلٌ فِي قَوْلِهِ، لَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ وَلَا يَفْسُقُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ؛ بَل إمَّا أَنْ يَكُونَ فصِيبًا أَو مُخْطِئًا (١).
وَمَن فَرَّقَ بَيْنَ الْمُحْتَاجِ وَغَيْرِهِ -وَهُوَ أَقْرَبُ- قَالَ: الْمُحْتَاجُ إذَا اكْتَسَبَ بِهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَنْوِيَ عَمَلَهَا للهِ، وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ لِيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى الْعِبَادَةِ؛ فَإِنَّ الْكَسْبَ عَلَى الْعِيَالِ وَاجِبٌ أَيْضًا فَيُؤَدِّي الْوَاجِبَاتِ بِهَذَا؛ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَسْبِ، فَلَا حَاجَةَ تَدْعُوهُ أَنْ يَعْمَلَهَا لِغَيْرِ اللهِ؛ بَل إذَا كَانَ اللهُ قَد أَغْنَاهُ -وَهَذَا فُرضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ-: كَانَ هُوَ مخَاطَبًا بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ إلَّا بِهِ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ عَيْنًا. ٣٠/ ٢٠٤ - ٢٠٧
* * *
(حكم التوصية بأَنْ يُصَلَّى عنه؟)
٣٨٧٩ - وَسُئِلَ -رحمه الله-: عَن رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَأَوْصَى أَنْ يُصَلَّى عَنْهُ بِدَرَاهِمَ؟
فَأَجَابَ: صَلَاةُ الْفَرْضِ لَا يَفْعَلُهَا أَحَدٌ عَن أَحَدٍ لَا بِأْجْرَة وَلَا بِغَيْرِ أُجْرَةٍ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ؛ بَل لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجرَ أَحَدًا لِيُصَلِّيَ عَنْهُ نَافِلَةً بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، لَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا فِي مَمَاتِهِ، فَكَيْفَ مَن يَسْتَأْجِرُ لِيُصَلَّى عَنْهُ فَرِيضَةً؟
وَإِنّمَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا صَلَّى نَافِلَةً بِلَا أُجْرَةٍ وَأَهْدَى ثَوَابَهَا إلَى الْمَيَّتِ، هَل يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟
وَلَو نَذَرَ الْمَيِّتُ أَنْ يُصَلَّيَ فَمَاتَ، فَهَل تُفْعَلُ عَنْهُ الصَّلَاةُ الْمَنْذُورَةُ؟
لَكِنَّ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَوْصَى بِهَا يُتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُ، وَيَخُصُّ بِالصَّدَقَةِ أَهْلَ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ لِلْمَيِّتِ أَجْرٌ.
(١) هذا من اتزان الشيخ في الحكم على أفعال المخطئين المتأولين، ومن إنْصافِه والْتماسِه العذر لزلات الناس.