وَكَمَا يُطَاعُ هَؤُلَاءِ فِي الْجِهَادِ وَإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُبَاشِرُونَهُ مِن الْأَفْعَالِ الَّتِي أَمَرَهُم اللهُ بِهَا.
وَإِذَا اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَمْرٍ فَإِجْمَاعُهُم حُجَّةٌ قَاطِعَة؛ فَإِنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَإِن تَنَازَعُوا فَالْمَرَدُّ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. ٣/ ٢٥٠
* * *
بعض كلام الشيخ عما جرى له وهو في الحبس
٣١٠ - جَاءَ الْفَتَّاحُ أَوَّلًا فَقَالَ: يُسَلِّمُ عَلَيْك النَّائِبُ، وَقَالَ: إلَى مَتَى يَكُونُ الْمُقَامُ فِي الْحَبْسِ؟ أَمَا تَخْرُجُ؟ هَل أَنْتَ مُقِيمٌ عَلَى تِلْكَ الْكَلِمَةِ أَمْ لَا؟.
فَقُلْت لَهُ: سَلِّمْ عَلَى النَّائِبِ وَقُلْ لَهُ أَنَا مَا أَدْرِي مَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ؟ (١)
وَإِلَى السَّاعَةِ لَمْ أَدْرِ عَلَى أَيِّ شَيءٍ حُبِسْت؟ وَلَا عَلِمْت ذَنْبِي؟ (٢).
فَجَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَّاحُ وَمَعَهُ شَخْصٌ مَا عَرَفْته، لَكِنْ ذَكَرَ لِي أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ عَلَاءُ الدِّينِ الطيبرسي .. لَكِنَّهُ جَاءَ مَجِيءَ الْمُكْرِهِ عَلَى أَنْ أُوَافِقَ إلَى مَا دَعَا إلَيْهِ .. وَجَعَلْتُ كُلَّمَا أَرَدْت أَنْ أُجِيبَهُ وَأُحَمِّلَهُ رِسَالَةً يُبَلِّغُهَا لَا يُرِيدُ أَنْ يَسْمَعَ شَيْئًا مِن ذَلِكَ وَيُبَلِّغَهُ؛ بَل لَا يُرِيدُ إلَّا مَا مَضْمُونُهُ الْإِقْرَارُ بِمَا ذَكَرَ وَالْتِزَامُ عَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهِ! (٣)
وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} العنكبوت: ٤٦؛ فَمَتَى ظَلَمَ الْمُخَاطِبُ لَمْ نَكُنْ مَأْمُورِينَ أَنْ نُجِيبَهُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
(١) أي: التي لأجلها سُجن.
(٢) وهذا حال أكثر العلماء والدعاة والمصلحين في هذا الزمان، فهم يُسجنون ولا يعلمون لم سُجنوا؟ وما ذنبهم؟ وهذا من الابتلاء الذي يرفع الله به درجاتهم، ويُعلي ذكرهم.
(٣) وهذا حال الظلمة من الحكام والمشايخ والقضاة، يُريدون من الناس الموافقة على رأيهم دون قيد أو شرط.