وَأَمَّا الْمُطَالَبُونَ بِهَا فَهَذِهِ كُلَفٌ تُؤْخَذُ مِنْهُم بِسَبَبِ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَظْلِمَ بَعْضًا فِي ذَلِكَ؛ بَل الْعَدْلُ وَاجِبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَالظُّلْمُ لَا يُبَاحُ شَيْءٌ مِنْهُ بِحَال.
وَحِينَئِذٍ فَهَؤُلَاءِ الْمُشْتَرِكونَ لَيْسَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَفْعَلَ مَا بِهِ ظُلْمُ غَيْرِهِ؛ بَل إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ قِسْطَهُ فَيَكُونَ عَادِلًا، وَإِمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ زَائِدًا عَلَى قِسْطِهِ فَيُعِينَ شُرَكَاءَهُ بِمَا أُخِذَ مِنْهُم فَيَكُونَ مُحْسِنًا.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَن أَدَاءِ قِسْطِهِ مِن ذَلِكَ الْمَالِ امْتِنَاعًا يُؤْخَذُ بِهِ قِسْطُهُ مِن سَائِر الشُّرَكَاءِ، فَيَتَضَاعَفُ الظُّلْمُ عَلَيْهِمْ.
وَعَلَى هَذَا: فَإِذَا تَغَيَّبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ، أَو امْتَنَعَ مِن الْأَدَاءِ فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ وَأُخِذَ مَن غَيْرِهِ حِصَّتُهُ: كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ قَدْرَ نَصِيبِهِ إلَى مَن أدَّى عَنْهُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَي الْعُلَمَاءِ، كَمَا يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِن الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ، وَيُلْزَمُ بِذَلِكَ، وَيُعَاقَبُ عَلَى أَدَائِهِ، كَمَا يُعَاقَبُ عَلَى أَدَاءِ سَائِر الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ؛ كَالْعَامِلِ فِي الزَّكَاةِ إذَا طَلَبَ مِن أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَكْثَرَ مِن الْوَاجِبِ، وَأَخَذَهُ بِتَأْوِيلٍ، فَلِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ أَنْ يَرْجعَ عَلَى الْآخَرِ بِقِسْطِهِ.
وَإِن كَانَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ: فَعَلَى قَوْلَيْنِ، أَظْهرُهُمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ أَيْضًا. ٣٠/ ٣٣٧ - ٣٤٢
* * *
(مَن أَدَّى عَن غَيْرِهِ وَاجِبًا فَهل يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ؟)
٣٩٦٤ - مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ كُلَّ مَن أدَّى عَن غَيْرِهِ وَاجِبًا فَلَهُ أنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُن مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ، وَإِن أدَّاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ مِثْل مَن قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَد ضَمِنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَأَدَّاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَو أَدَّاهُ عَنْهُ بِلَا ضَمَانٍ.
وَقَد دَلَّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}